Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 15-15)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه وجهان أحدهما : أنه استدلال بدلائل الأنفس ، لأنا ذكرنا مراراً أن الدلائل آفاقية ونفسية كما قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِى ٱلآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ } [ فصلت : 53 ] ولما قرن الله تعالى دلائل الآفاق عطف بعضها على بعض بحرف الواو فقال : { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا } [ الحجر : 19 ] وفي غير ذلك ذكر الدليل النفسي ، وعلى هذا فيه لطائف لفظية ومعنوية . أما اللفظية فهي أنه تعالى في الدلائل الآفاقية عطف بعضها على بعض بحرف الواو فقال : { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا } وقال : { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء مُّبَـٰرَكاً } [ قۤ : 9 ] ثم في الدليل النفسي ذكر حرف الاستفهام والفاء بعدها إشارة إلى أن تلك الدلائل من جنس ، وهذا من جنس ، فلم يجعل هذا تبعاً لذلك ، ومثل هذا مراعى في أواخر يۤس ، حيث قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ } [ يۤس : 77 ] ثم لم يعطف الدليل الآفاقي ههنا ؟ نقول ، والله أعلم ههنا وجد منهم الاستبعاد بقول { ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } [ قۤ : 3 ] فاستدل بالأكبر وهو خلق السمٰوات ، ثم نزل كأنه قال لا حاجة إلى ذلك الاستدلال بل في أنفسهم دليل جواز ذلك ، وفي سورة يۤس لم يذكر استبعادهم فبدأ بالأدنى وارتقى إلى الأعلى . والوجه الثاني : يحتمل أن يكون المراد بالخلق الأول هو خلق السمٰوات ، لأنه هو الخلق الأول وكأنه تعالى قال : { أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى ٱلسَّمَاء } [ قۤ : 6 ] ثم قال : { أَفَعَيِينَا } بهذا الخلق ويدل على هذا قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } [ الأحقاف : 33 ] ويؤيد هذا الوجه هو أن الله تعالى قال بعد هذه الآية { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ قۤ : 16 ] فهو كالاستدلال بخلق الإنسان وهو معطوف بحرف الواو على ما تقدم من الخلق وهو بناء السماء ومد الأرض وتنزيل الماء وإنبات الجنّات ، وفي تعريف الخلق الأول وتنكير خلق جديد وجهان أحدهما : ما عليه الأمران لأن الأول عرفه كل واحد وعلم لنفسه ، والخلق الجديد لم يعلم لنفسه ولم يعرفه كل أحد ولأن الكلام عنهم وهم لم يكونوا عالمين بالخلق الجديد والوجه الثاني : أن ذلك لبيان إنكارهم للخلق الثاني من كل وجه ، كأنهم قالوا أيكون لنا خلق ما على وجه الإنكار له بالكلية ؟ وقوله تعالى : { بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ } تقديره ما عيينا بل هم في شك من خلق جديد ، يعني لا مانع من جهة الفاعل ، فيكون من جانب المفعول وهو الخلق الجديد ، لأنهم كانوا يقولون ذلك محال وامتناع وقوع المحال بالفاعل لا يوجب عجزاً فيه ، ويقال للمشكوك فيه ملتبس كما يقال لليقين إنه ظاهر وواضح ، ثم إن اللبس يسند إلى الأمر كم قلنا : إنه يقال إن هذا أمر ظاهر ، وهذا أمر ملتبس وههنا أسند الأمر إليهم حيث قال : { هُمْ فِى لَبْسٍ } وذلك لأن الشيء يكون وراء حجاب والناظر إليه بصير فيختفي الأمر من جانب الرائي فقال ههنا { بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ } ومن في قوله { مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } يفيد فائدة وهي ابتداء الغاية كأن اللبس كان حاصلاً لهم من ذلك .