Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 6-6)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إشارة إلى الدليل الذي يدفع قولهم { ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } [ قۤ : 3 ] وهذا كما في قوله تعالى : { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } [ يۤس : 81 ] وقوله تعالى : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [ غافر : 57 ] وقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيىِ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ } [ الأحقاف : 33 ] وفيه مسائل : المسألة الأولى : همزة الاستفهام تارة تدخل على الكلام ولا واو فيه ، وتارة تدخل عليه وبعدها واو ، فهل بين الحالتين فرق ؟ نقول فرق أدق مما على الفرق ، وهو أن يقول القائل : أزيد في الدار بعد ، وقد طلعت الشمس ؟ يذكره للإنكار ، فإذا قال : أو زيداً في الدار بعد ، وقد طلعت الشمس ؟ يشير بالواو إشارة خفية إلى أن قبح فعله صار بمنزلة فعلين قبيحين ، كأنه يقول بعد ما سمع ممن صدر عن زيد هو في الدار ، أغفل وهو في الدار بعد ، لأن الواو تنبىء عن ضيف أمر مغاير لما بعدها وإن لم يكن هناك سابق لكنه يومىء بالواو إليه زيادة في الإنكار ، فإن قيل قال في موضع { أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ } [ الأعراف : 185 ] وقال ههنا { أَفَلَمْ يَنظُرُواْ } بالفاء فما الفرق ؟ نقول ههنا سبق منهم إنكار الرجع فقال بحرف التعقيب بمخالفه ، فإن قيل ففي يۤس سبق ذلك بقوله قال : { مَن يُحيىِ ٱلْعِظَـٰمَ } [ يۤس : 78 ] نقول هناك الاستدلال بالسمٰوات لما لم يعقب الإنكار على عقيب الإنكار استدل بدليل آخر ، وهو قوله تعالى : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ يۤس : 79 ] ثم ذكر الدليل الآخر ، وههنا الدليل كان عقيب الإنكار فذكر بالفاء ، وأما قوله ههنا بلفظ النظر ، وفي الأحقاف بلفظ الرؤية ، ففيه لطيفة وهي أنهم ههنا لما استبعدوا أمر الرجع بقولهم { ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } استبعد استبعادهم ، وقال : { أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى ٱلسَّمَاء } لأن النظر دون الرؤية فكأن النظر كان في حصول العلم بإنكار الرجع ولا حاجة إلى الرؤية ليقع الاستبعاد في مقابلة الاستعباد ، وهناك لم يوجد منهم بإنكار مذكور فأرشدهم إليه بالرؤية التي هي أتم من النظر ، ثم إنه تعالى كمل ذلك وجمله بقوله { إِلَى ٱلسَّمَاء } ولم يقل في السماء لأن النظر في الشيء ينبىء عن التأمل والمبالغة والنظر إلى الشيء ينبىء عنه ، لأن إلى للغاية فينتهي النظر عنده في الدخول في معنى الظرف فإذا انتهى النظر إليه ينبغي أن ينفذ فيه حتى يصح معنى الظرفية وقوله تعالى : { فَوْقَهُمُ } تأكيد آخر أي وهو ظاهر فوق رؤوسهم غير غائب عنهم ، وقوله تعالى : { كَيْفَ بَنَيْنَـٰهَا وَزَيَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } إشارة إلى وجه الدلالة وأولوية الوقوع وهي للرجع ، أما وجه الدلالة فإن الإنسان له أساس هي العظام التي هي كالدعامة وقوى وأنوار كالسمع والبصر فبناء السماء أرفع من أساس البدن ، وزينة السماء أكمل من زينة الإنسان بلحم وشحم . وأما الأولوية فإن السماء ما لها من فروج فتأليفها أشد ، وللإنسان فروج ومسام ، ولا شك أن التأليف الأشد كالنسج الأصفق والتأليف الأضعف كالنسج الأسخف ، والأول أصعب عند الناس وأعجب ، فكيف يستبعدون الأدون مع علمهم بوجود الأعلى من الله تعالى ؟ قالت الفلاسفة الآية دالة على أن السماء لا تقبل الخرق ، وكذلك قالوا في قوله { هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } [ الملك : 3 ] وقوله { سَبْعاً شداداً } [ النبأ : 12 ] وتعسفوا فيه لأن قوله تعالى : { مَّا لَهَا مِن فُرُوجٍ } صريح في عدم ذلك ، والإخبار عن عدم الشيء لا يكون إخباراً عن عدم إمكانه فإن من قال : ما لفلان قال ؟ لا يدل على نفي إمكانه ، ثم إنه تعالى بيّن خلاف قولهم بقوله { وَإِذَا ٱلسَّمَاء فُرِجَتْ } [ المرسلات : 9 ] وقال : { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنفَطَرَتْ } [ الانفطار : 1 ] وقال : { فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } [ الحاقة : 16 ] في مقابلة قوله { سَبْعاً شِدَاداً } وقال : { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدّهَانِ } [ الرحمٰن : 37 ] إلى غير ذلك والكل في الرد عليهم صريح وما ذكروه في الدلالة ليس بظاهر ، بل وليس له دلالة خفية أيضاً ، وأما دليلهم المعقول فأضعف وأسخف من تمسكهم بالمنقول .