Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 18-18)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أواني الخمر تكون في المجالس ، وفي الكوب وجهان أحدهما : أنه من جنس الأقداح وهو قدح كبير وثانيهما : من جنس الكيزان ولا عروة له ولا خرطوم والإبريق له عروة وخرطوم ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : ما الفرق بين الأكواب والأباريق والكأس حيث ذكر الأكواب والأباريق بلفظ الجميع والكأس بلفظ الواحد ولم يقل : وكئوس ؟ نقول : هو على عادة العرب في الشرب يكون عندهم أوان كثيرة فيها الخمر معدة موضوعة عندهم ، وأما الكأس فهو القدح الذي يشرب به الخمر إذا كان فيه الخمر ولا يشرب واحد في زمان واحد إلا من كأس واحد ، وأما أواني الخمر المملوءة منها في زمان واحد فتوجد كثيراً ، فإن قيل : الطواف بالكأس على عادة أهل الدنيا وأما الطواف بالأكواب والأباريق فغير معتاد فما الفائدة فيه ؟ نقول : عدم الطواف بها في الدنيا لدفع المشقة عن الطائف لثقلها وإلا فهي محتاج إليها بدليل أنه عند الفراغ يرجع إلى الموضع الذي هو فيه ، وأما في الآخرة فالآنية تدور بنفسها والوليد معها إكراماً لا للحمل ، وفيه وجه آخر من حيث اللغة وهو أن الكأس إناء فيه شراب فيدخل في مفهومه المشروب ، والإبريق آنية لا يشترط في إطلاق اسم الإبريق عليها أن يكون فيها شراب ، وإذا ثبت هذا فنقول الإناء المملوء الاعتبار لما فيه لا للإناء ، وإذا كان كذلك فاعتبار الكأس بما فيه لكن فيه مشروب من جنس واحد وهو المعتبر ، والجنس لا يجمع إلا عند تنوعه فلا يقال للأرغفة من جنس واحد : أخباز ، وإنما يقال : أخباز عندما يكون بعضها أسود وبعضها أبيض وكذلك اللحوم يقال عند تنوع الحيوانات التي منها اللحوم ولا يقال للقطعتين من اللحم لحمان ، وأما الأشياء المصنفة فتجمع ، فالأقداح وإن كانت كبيرة لكنها لما ملئت خمراً من جنس واحد لم يجز أن يقال لها : خمور فلم يقل : كئوس وإلا لكان ذلك ترجيحاً للظروف ، لأن الكأس من حيث إنها شراب من جنس واحد لا بجمع واحد فيترك الجمع ترجيحاً لجانب المظروف بخلاف الإبريق فإن المعتبر فيه الإناء فحسب ، وعلى هذا يتبين بلاغة القرآن حيث لم يرد فيه لفظ الكئوس إذ كان ما فيها نوع واحد من الخمر ، وهذا بحث عزيز في اللغة . المسألة الثانية : في تأخير الكأس ترتيب حسن ، فكذلك في تقديم الأكواب إذا كان الكوب منه يصب الشراب في الإبريق ومن الإبريق الكأس . المسألة الثالثة : { مّن مَّعِينٍ } بيان ما في الكأس أو بيان ما في الأكواب والأباريق ، نقول : يحتمل أن يكون الكل من معين والأول أظهر بالوضع ، والثاني ليس كذلك ، فلما قال : { وَكَأْسٍ } فكأنه قال : ومشروب ، وكأن السامع محتاجاً إلى معرفة المشروب ، وأما الإبريق فدلالته على المشروب ليس بالوضع ، وأما المعنى فلأن كون الكل ملآناً هو الحق ، ولأن الطواف بالفارغ لا يليق فكان الظاهر بيان ما في الكل ، ومما يؤيد الأول هو أنه تعالى عند ذكر الأواني ذكر جنسها لا نوع ما فيها فقال تعالى : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِـئَانِيَةٍ مّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ } [ الإنسان : 15 ] الآية ، وعند ذكر الكأس بين ما فيها فقال : { وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ } فيحتمل أن الطواف بالأباريق ، وإن كانت فارغة للزينة والتجمل وفي الآخرة تكون للإكرام والتنعم لا غير . المسألة الرابعة : ما معنى المعين ؟ قلنا : ذكرنا في سورة الصافات أنه فعيل أو مفعول ومضى فيه خلاف ، فإن قلنا : فعيل فهو من معن الماء إذا جرى وإن قلنا : مفعول فهو من عانه إذا شخصه بعينه وميزه ، والأول أصح وأظهر لأن المعيون يوهم بأنه معيوب لأن قول القائل : عانني فلان معناه ضرني إذا أصابتني عينه ، ولأن الوصف بالمفعول لا فائدة فيه ، وأما الجريان في المشروب فهو إن كان في الماء فهو صفة مدح وإن كان في غيره فهو أمر عجيب لا يوجد في الدنيا ، فيكون كقوله تعالى : { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ } [ محمد : 15 ] .