Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 19-19)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : { لاَّ يُصَدَّعُونَ } فيه وجهان أحدهما : لا يصيبهم منها صداع يقال : صدعني فلان أي أورثني الصداع والثاني : لا ينزفون عنها ولا ينفدونها من الصدع ، والظاهر أن أصل الصداع منه ، وذلك لأن الألم الذي في الرأس يكون في أكثر الأمر بخلط وريح في أغشية الدماغ فيؤلمه فيكون الذي به صداع كأنه يتطرف في غشاء دماغه . المسألة الثانية : إن كان المراد نفي الصداع فكيف يحسن عنها مع أن المستعمل في السبب كلمة من ، فيقال : مرض من كذا وفي المفارقة يقال : عن ، فيقال : برىء عن المرض ؟ نقول : الجواب هو أن السبب الذي يثبت أمراً في شيء كأنه ينفصل عنه شيء ويثبت في مكانه فعله ، فهناك أمران ونظران إذا نظرت إلى المحل ورأيت فيه شيئاً تقول : هذا من ماذا ، أي ابتداء وجوده من أي شيء فيقع نظرك على السبب فتقول : هذا من هذا أي ابتداء وجوده منه ، وإذا نظرت إلى جانب المسبب ترى الأمر الذي صدر عنه كأنه فارقه والتصق بالمحل ، ولهذا لا يمكن أن يوجد ذلك مرة أخرى ، والسبب كأنه كان فيه وانتقل عنه في أكثر الأمر فههنا يكون الأمران من الأجسام والأمور التي لها قرب وبعد ، إذا علم هذا فنقول : المراد ههنا بيان خمر الآخرة في نفسها وبيان ما عليها ، فالنظر وقع عليها لا على الشاربين ولو كان المقصود أنهم لا يصدعون عنها لوصف منهم لما كان مدحاً لها ، وأما إذا قال : هي لا تصدع لأمر فيها يكون مدحاً لها فلما وقع النظر عليها قال عنها ، وأما إذا كنت تصف رجلاً بكثرة الشرب وقوته عليه ، فإنك تقول : في حقه هو لا يصدع من كذا من الخمر ، فإذا وصفت الخمر تقول هذه لا يصدع عنها أحد . المسألة الثالثة : قوله تعالى : { وَلاَ يُنزِفُونَ } تقدم تفسيره في الصافات والذي يحسن ذكره هنا أن نقول : إن كان معنى { لا يُنزِفُونَ } لا يسكرون ، فنقول : إما أن نقول معنى : { لاَّ يُصَدَّعُونَ } أنهم لا يصيبهم الصداع ، وإما أنهم لا يفقدون ، فإن قلنا : بالقول الأول فالترتيب في غاية الحسن لأنه على طريقة الارتقاء ، فإن قوله تعالى : { لاَّ يُصَدَّعُونَ } معناه لا يصيبهم الصداع لكن هذا لا ينفي السكر فقال : بعده ولا يورث السكر ، كقول القائل : ليس فيه مفسدة كثيرة ، ثم يقول : ولا قليلة ، تتميماً للبيان ، ولو عكست الترتيب لا يكون حسناً ، وإن قلنا : { لا يُنزِفُونَ } لا يفقدون فالترتيب أيضاً كذلك لأن قولنا : { لاَّ يُصَدَّعُونَ } أي لا يفقدونه ومع كثرته ودوام شربه لا يسكرون فإن عدم السكر لنفاد الشراب ليس بعجب ، لكن عدم سكرهم مع أنهم مستديمون للشراب عجيب وإن قلنا : { لا يُنزِفُونَ } بمعنى لا ينفد شرابهم كما بينا هناك . فنقول : أيضاً إن كان لا يصدعون بمعنى لا يصيبهم صداع فالترتيب في غاية الحسن ، وذلك لأن قوله : { لاَّ يُصَدَّعُونَ } لا يكون بيان أمر عجيب إن كان شرابهم قليلاً فقال : { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } مع أنهم لا يفقدون الشراب ولا ينزفون الشراب ، وإن كان بمعنى لا ينزفون عنها فالترتيب حسن لأن معناه لا ينزفون عنها بمعنى لا يخرجون عما هم فيه ولا يؤخذ منهم ما أعطوا من الشراب ، ثم إذا أفنوها بالشراب يعطون .