Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 86-87)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : أكثر المفسرين على أن لولا في المرة الثانية مكررة وهي بعينها هي التي قال تعالى : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [ الواقعة : 83 ] ولها جواب واحد ، وتقديره على ما قاله الزمخشري : فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم ، أي إن كنتم غير مدينين ، وقال بعضهم : هو كقوله تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ البقرة : 38 ] حيث جعل { فَلاَ خَوْفٌ } جزاء شرطين ، والظاهر خلاف ما قالوا ، وهو أن يقال : جواب لولا في قوله : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } هو ما يدل عليه ما سبق يعني تكذبون مدة حياتكم جاعلين التكذيب رزقكم ومعاشكم فلولا تكذبون وقت النزع وأنتم في ذلك الوقت تعلمون الأمور وتشاهدونها ، وأما لولا في المرة الثانية فجوابها : { تَرْجِعُونَهَا } . المسألة الثانية : في { مَدِينِينَ } أقوال منهم من قال : المراد مملوكين ، ومنهم من قال : مجزيين ، وقال الزمخشري : من دانه السلطان إذا ساسه ، ويحتمل أن يقال : المراد غير مقيمين من مدن إذا أقام ، هو حينئذ فعيل ، ومنه المدينة ، وجمعها مدائن ، من غير إظهار الياء ، ولو كانت مفعلة لكان جمعها مداين كمعايش بإثبات الياء ، ووجهه أن يقال : كان قوم ينكرون العذاب الدائم ، وقوم ينكرون العذاب ومن اعترف به كان ينكر دوامه ، ومثله قوله تعالى : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] قيل : إن كنتم على ما تقولون لا تبقون في العذاب الدائم فلم لا ترجعون أنفسكم إلى الدنيا إن لم تكن الآخرة دار الإقامة ، وأما على قوله : مجزيين فالتفسير مثل هذا كأنه قال : ستصدقون وقت النزع رسل الله في الحشر ، فإن كنتم بعد ذلك غير مجزيين فلم لا ترجعون أنفسكم إلى دنياكم ، فإن التعويق للجزاء لا غير ، ولولا الجزاء لكنتم مختارين كما كنت في دنياكم التي ليست دار الجزاء مختارين تكونون حيث تريدون من الأماكن ، وأما على قولنا : مملوكين من الملك ، ومنه المدينة للملوكة ، فالأمر أظهر بمعنى أنكم إذا كنتم لستم تحت قدرة أحد ، فلم لا ترجعون أنفسكم إلى الدنيا كما كنتم في دنياكم التي ليست دار جزاء مع أن ذلك مشتهى أنفسكم ومنى قلوبكم ، وكل ذلك عند التحقيق راجع إلى كلام واحد ، وأنهم كانوا يأخذون بقول الفلاسفة في بعض الأشياء دون بعض ، وكانوا يقولون بالطبائع ، وأن الأمطار من السحب ، وهي متولدة بأسباب فلكية ، والنبات كذلك ، والحيوان كذلك ، ولا اختيار لله في شيء وسواء عليه إنكار الرسل والحشر ، فقال تعالى : إن كان الأمر كما يقولون فما بال الطبيعي الذي يدعى العلم لا يقدر على أن يرجع النفس من الحلقوم ، مع أن في الطبع عنده إمكاناً لذلك ، فإن عندهم البقاء بالغداء وزوال الأمراض بالدواء ، وإذا علم هذا فإن قلنا : { غَيْرَ مَدِينِينَ } معناه غير مملوكين رجع إلى قولهم من إنكار الاختيار وقلب الأمور كما يشاء الله ، وإن قلنا : غير مقيمين فكذلك ، لأن إنكار الحشر بناء على القول بالطبع ، وإن قلنا : غير محاسبين ومجزيين فكذلك ، ثم لما بين أن الموت كائن والحشر بعده لازم ، بين ما يكون بعد الحشر ليكون ذلك باعثاً للمكلف على العمل الصالح ، وزاجراً للمتمرد عن العصيان والكذب فقال :