Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 88-89)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا وجه تعلقه معنى ، وأماتعلقه لفظاً فنقول : لما قال : { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا } [ الواقعة : 86 ، 87 ] وكان فيها أن رجوع الحياة والنفس إلى البدن ليس تحت قدرتهم ولا رجوع لهم بعد الموت إلى الدنيا صار كأنه قال : أنتم بعد الموت دائمون في دار الإقامة ومجزيون ، فالمجزى إن كان من المقربين فله الروح والريحان ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : في معنى الروح وفيه وجوه الأول : هو الرحمة قال تعالى : { وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } [ يوسف : 87 ] أي من رحمة الله الثاني : الراحة الثالث : الفرح ، وأصل الروح السعة ، ومنه الروح لسعة ما بين الرجلين دون الفحج ، وقرىء ، { فَرَوْحٌ } بضم الراء بمعنى الرحمة . المسألة الثانية : في الكلام إضمار تقديره : فله روح أفصحت الفاء عنه لكونه فاء الجزاء لربط الجملة بالشرط فعلم كونها جزاء ، وكذلك إذا كان أمراً أو نهياً أو ماضياً ، لأن الجزاء إذا كان مستقبلاً يعلم كونه جزاء بالجزم الظاهر في السمع والخط ، وهذه الأشياء التي ذكرت لا تحتمل الجزم ، أما غير الأمر والنهي فظاهر ، وأما الأمر والنهي فلأن الجزم فيهما ليس لكونهما جزاءين فلا علامة للجزاء فيه ، فاختاروا الفاء فإنها لترتيب أمر على أمر ، والجزاء مرتب على الشرط . المسألة الثالثة : في الريحان ، وقد تقدم تفسيره في قوله تعالى : { ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } [ الرحمٰن : 12 ] ولكن ههنا فيه كلام ، فمنهم من قال : المراد ههنا ما هو المراد ثمة ، إما الورق وإما الزهر وإما النبات المعروف ، وعلى هذا فقد قيل : إن أرواح أهل الجنة لا تخرج من الدنيا إلا ويؤتى إليهم بريحان من الجنة يشمونه ، وقيل : إن المراد ههنا غير ذلك وهو الخلود ، وقيل : هو رضاء الله تعالى عنهم فإذا قلنا : الروح هو الرحمة فالآية كقوله تعالى : { يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مّنْهُ وَرِضْوٰنٍ وَجَنَّـٰتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } [ التوبة : 21 ] وأما : { جَنَّةُ نَعِيمٍ } فقد تقدم القول فيها عند تفسير السابقين في قوله : { أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } [ الواقعة : 11 ، 12 ] وذكرنا فائدة التعريف هناك وفائدة التنكير ههنا . المسألة الرابعة : ذكر في حق المقربين أموراً ثلاثة ههنا وفي قوله تعالى : { يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم } [ التوبة : 21 ] وذلك لأنهم أتوا بأمور ثلاثة وهي : عقيدة حقة وكلمة طيبة وأعمال حسنة ، فالقلب واللسان والجوارح كلها كانت مرتبة برحمة الله على عقيدته ، وكل من له عقيدة حقة يرحمه الله ويرزقه الله دائماً وعلى الكلمة الطيبة وهي كلمة الشهادة ، وكل من قال : لا إله إلا الله فله رزق كريم والجنة له على أعماله الصالحة ، قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 111 ] وقال : { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 40 ، 41 ] فإن قيل : فعلى هذا من أتى بالعقيدة الحقة ، ولم يأت بالكلمة الطيبة ينبغي أن يكون من أهل الرحمة ولا يرحم الله إلا من قال : لا إله إلا الله ، نقول : من كانت عقيدته حقة ، لا بد وأن يأتي بالقول الطيب فإن لم يسمع لا يحكم به ، لأن العقيدة لا اطلاع لنا عليها فالقول دليل لنا ، وأما الله تعالى فهو عالم الأسرار ، ولهذا ورد في الأخبار أن من الناس من يدفن في مقابر الكفار ويحشر مع المؤمنين ، ومنهم من يدفن في مقابر المسلمين ويحشر مع الكفار لا يقال : إن من لا يعمل الأعمال الصالحة لا تكون له الجنة على ما ذكرت ، لأنا نقول : الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن عقيدته الحقة وكلمته الطيبة لا يتركانه بلا عمل ، فهذا أمر غير واقع وفرض غير جائز وثانيهما : أنا نقول من حيث الجزاء ، وأما من قال : لا إله إلا الله فيدخل الجنة ، وإن لم يعمل عملاً لا على وجه الجزاء بل بمحض فضل الله من غير جزاء ، وإن كان الجزاء أيضاً من الفضل لكن من الفضل ما يكون كالصدقة المبتدأة ، ومن الفضل مالا كما يعطي الملك الكريم آخر والمهدي إليه غيرملك لا يستحق هديته ولا رزقه .