Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 11-11)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } وفيه مسائل : المسألة الأولى : ذكروا أن رجلاً من اليهود قال عند نزول هذه الآية ما استقرض إله محمد حتى افتقر ، فلطمه أبو بكر ، فشكا اليهودي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ما أردت بذلك ؟ فقال : ما ملكت نفسي أن لطمته فنزل قوله تعالى : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } [ آل عمران : 186 ] قال المحققون : اليهودي إنما قال ذلك على سبيل الاستهزاء ، لا لأن العاقل يعتقد أن الإله يفتقر ، وكذا القول في قولهم : { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } [ آل عمران : 181 ] . المسألة الثانية : أنه تعالى أكد بهذه الآية ترغيب الناس في أن ينفقوا أموالهم في نصرة المسلمين وقتال الكافرين ومواساة فقراء المسلمين ، وسمي ذلك الإنفاق قرضاً من حيث وعد به الجنة تشبيهاً بالقرض . المسألة الثالثة : اختلفوا في المراد من هذا الإنفاق ، فمنهم من قال : المراد الإنفاقات الواجبة ، ومنهم من قال : بل هو في التطوعات ، والأقرب دخول الكل فيه . المسألة الرابعة : ذكروا في كون القرض حسناً وجوهاً أحدها : قال مقاتل : يعني طيبة بها نفسه وثانيها : قال الكلبي : يعني يتصدق بها لوجه الله وثالثها : قال بعض العلماء : القرض لا يكون حسناً حتى يجمع أوصافاً عشرة الأول : أن يكون من الحلال قال عليه الصلاة والسلام : " " إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب " " وقال عليه الصلاة والسلام : " " لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول " " والثاني : أن يكون من أكرم ما يملكه دون أن ينفق الرديء ، قال الله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } [ البقرة : 267 ] ، الثالث : أن تتصدق به وأنت تحبه وتحتاج إليه بأن ترجو الحياة وهو المراد بقوله تعالى : { وآتى المال على حبه } [ البقرة : 177 ] وبقول : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبّهِ } [ الإنسان : 8 ] على أحد التأويلات وقال عليه الصلاة والسلام : " " الصدقة أن تعطي وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ، ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا " " والرابع : أن تصرف صدقتك إلى الأحوج الأولى بأخذها ، ولذلك خص الله تعالى أقواماً بأخذها وهم أهل السهمان الخامس : أن تكتم الصدقة ما أمكنك لأنه تعالى قال : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 271 ] ، السادس : أن لا تتبعها مناً ولا أذى ، قال تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلأَذَىٰ } [ البقرة : 264 ] ، السابع : أن تقصد بها وجه الله ولا ترائي ، كما قال : { إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } [ الليل : 20 ، 21 ] ولأن المرائي مذموم بالاتفاق الثامن : أن تستحقر ما تعطي وإن كثر ، لأن ذلك قليل من الدنيا ، والدنيا كلها قليلة ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] في أحد التأويلات التاسع : أن يكون من أحب أموالك إليك ، قال تعالى : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] ، العاشر : أن لا ترى عز نفسك وذل الفقير ، بل يكون الأمر بالعكس في نظرك ، فترى الفقير كأن الله تعالى أحال عليك رزقه الذي قبله بقوله : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] وترى نفسك تحت دين الفقير ، فهذه أوصاف عشرة إذا اجتمعت كانت الصدقة قرضاً حسناً ، وهذه الآية مفسرة في سورة البقرة . ثم إنه تعالى قال : { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : أنه تعالى ضمن على هذا القرض الحسن أمرين أحدهما : المضاعفة على ما ذكر في سورة البقرة ، وبين أن مع المضاعفة له أجر كريم ، وفيه قولان : الأول : وهو قول أصحابنا أن المضاعفة إشارة إلى أنه تعالى يضم إلى قدر الثواب مثله من التفضيل والأجر الكريم عبارة عن الثواب ، فإن قيل : مذهبكم أن الثواب أيضاً تفضل فإذا لم يحصل الامتياز لم يتم هذا التفسير الجواب : أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ ، أن كل من صدر منه الفعل الفلاني ، فله قدر كذا من الثواب ، فذاك القدر هو الثواب ، فإذا ضم إليه مثله فذلك المثل هو الضعف والقول الثاني : هو قول الجبائي من المعتزلة أن الأعواض تضم إلى الثواب فذلك هو المضاعفة ، وإنما وصف الأجر بكونه كريماً لأنه هو الذي جلب ذلك الضعف ، وبسببه حصلت تلك الزيادة ، فكان كريماً من هذا الوجه . المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وابن عامر : فيضعفه مشددة بغير ألف ، ثم إن ابن كثير قرأ بضم الفاء وابن عامر بفتح الفاء ، وقرأ عاصم فيضاعفه بالألف وفتح الفاء ، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي : فيضاعفه بالألف وضم الفاء ، قال أبو علي الفارسي : يضاعف ويضعف بمعنى إنما الشأن في تعليل قراءة الرفع والنصب ، أما الرفع فوجهه ظاهر لأنه معطوف على { يُقْرِضُ } ، أو على الإنقطاع من الأول ، كأنه قيل : فهو يضاعف ، وأما قراء النصب فوجهها أنه لما قال : { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ } فكأنه قال : أيقرض الله أحد قرضاً حسناً ، ويكون قوله : { فَيُضَاعِفَهُ } جواباً عن الاستفهام فحينئذ ينصب .