Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 13-13)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فالتمسوا نُوراً } وفيه مسائل : المسألة الأولى : { يَوْمَ يَقُولُ } ، بدل من { يَوْمَ تَرَى } [ الحديد : 12 ] ، أو هو أيضاً منصوب باذكر تقديراً . المسألة الثانية : قرأ حمزة وحده أنظرونا مكسورة الظاء ، والباقون أنظروا ، قال أبو علي الفارسي لفظ النظر يستعمل على ضروب أحدها : أن تريد به نظرت إلى الشيء ، فيحذف الجار ويوصل الفعل ، كما أنشد أبو الحسن : @ ظاهرات الجمال والحسن ينظرن كما ينظر الأراك الظباء @@ والمعنى ينظرن إلى الأراك وثانيها : أن تريد به تأملت وتدبرت ، ومنه قولك : إذهب فانظر زيداً أيؤمن ، فهذا يراد به التأمل ، ومنه قوله تعالى : { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } [ الأسراء : 48 ] ، { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } [ النساء : 50 ] ، { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ الإسراء : 21 ] قال : وقد يتعدى هذا بإلى كقوله : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [ الغاشية : 17 ] وهذا نص على التأمل ، وبين وجه الحكمة فيه ، وقد يتعدى بفي ، كقوله : { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [ الأعراف : 185 ] ، { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ } [ الروم : 8 ] وثالثها : أن يراد بالنظر الرؤية كما في قوله : @ ولما بدا حوران والآل دونه نظرت فلم تنظر بعينك منظراً @@ والمعنى نظرت ، فلم تر بعينك منظراً تعرفه في الآل قال : إلا أن هذا على سبيل المجاز ، لأنه دلت الدلائل على أن النظر عبارة عن تقلب الحدقة نحو المرئي التماساً لرؤيته ، فلما كانت الرؤية من توابع النظر ولوازمه غالباً أجرى على الرؤية لفظ النظر على سبيل إطلاق اسم السبب على المسبب قال : ويجوز أن يكون قوله : نظرت فلم تنظر ، كما يقال : تكلمت وما تكلمت ، أي ما تكلمت بكلام مفيد ، فكذا هنا نظرت وما نظرت نظراً مفيداً ورابعها : أن يكون النظر بمعنى الانتظار ، ومنه قوله تعالى : { إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـاظِرِينَ إِنَـاه } [ الأحزاب : 53 ] أي غير منتظرين إدراكه وبلوغه ، وعلى هذا الوجه يكون نظرت معناه انتظرت ، ومجيء فعلت وافتعلت بمعنى واحد كثير ، كقولهم : شويت واشتويت ، وحقرت واحتقرت ، إذا عرفت هذا فقوله : { ٱنظُرُونَا } يحتمل وجهين الأول : أنظرونا ، أي انتظرونا ، لأنه يسرع بالمؤمنين إلى الجنة كالبروق الخاطفة ، والمنافقون مشاة والثاني : أنظرونا أي أنظروا إلينا ، لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم ، والنور بين أيديهم فيستضيئون به ، وأما قراءة أنظرونا مكسورة الظاء فهي من النظرة والإمهال ، ومنه قوله تعالى : { أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الحجر : 36 ] وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنظار المعسر ، والمعنى أنه جعل اتئادهم في المشي إلى أن يلحقوا بهم إنظاراً لهم . واعلم أن أبا عبيدة والأخفش كانا يطعنان في حصة هذه القراءة ، وقد ظهر الآن وجه صحتها . المسألة الثالثة : اعلم أن الاحتمالات في هذا الباب ثلاثة أحدها : أن يكون الناس كلهم في الظلمات ، ثم إنه تعالى يعطي المؤمنين هذه الأنوار ، والمنافقون يطلبونها منهم وثانيها : أن تكون الناس كلهم في الأنوار ، ثم إن المؤمنين يكونون في الجنات فيمرون سريعاً ، والمنافقون يبقون وراءهم فيطلبون منهم الانتظار وثالثها : أن يكون المؤمنون في النور والمنافقون في الظلمات ، ثم المنافقون يطلبون النور مع المؤمنين ، وقد ذهب إلى كل واحد من هذه الاحتمالات قوم ، فإن كانت هذه الحالة إنما تقع عند الموقف ، فالمراد من قوله : { ٱنظُرُونَا } انظروا إلينا ، لأنهم إذا نظروا إليهم ، فقد أقبلوا عليهم ، ومتى أقبلوا عليهم وكانت أنوارهم من قدامهم استضاءوا بتلك الأنوار ، وإن كانت هذه الحالة إنما تقع عند مسير المؤمنين إلى الجنة ، كان المراد من قوله : { ٱنظُرُونَا } يحتمل أن يكون هو الانتظار وأن يكون النظر إليهم . المسألة الرابعة : القبس : الشعلة من النار أو السراج ، والمنافقون طمعوا في شيء من أنوار المؤمنين أن يقتبسوه كاقتباس نيران الدنيا وهو منهم جهل ، لأن تلك الأنوار نتائج الأعمال الصالحة في الدنيا ، فلما لم توجد تلك الأعمال في الدنيا امتنع حصول تلك الأنوار في الآخرة ، قال الحسن : يعطى يوم القيامة كل أحد نوراً على قدر عمله ، ثم إنه يؤخذ من حر جهنم ومما فيه من الكلاليب والحسك ويلقى على الطريق ، فتمضي زمرة من المؤمنين وجوههم كالقمر ليلة البدر ، ثم تمضي زمرة أخرى كأضواء الكواكب في السماء ، ثم على ذلك تغشاهم ظلمة فتطفىء نور المنافقين ، فهنالك يقول المنافقون للمؤمنين : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } كقبس النار . المسألة الخامسة : ذكروا في المراد من قوله تعالى : { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } وجوهاً أحدها : أن المراد منه : ارجعوا إلى دار الدنيا فالتمسوا هذه الأنوار هنالك ، فإن هذه الأنوار إنما تتولد من اكتساب المعارف الإلهية ، والأخلاق الفاضلة والتنزه عن الجهل والأخلاق الذميمة ، والمراد من ضرب السور ، هو امتناع العود إلى الدنيا وثانيها : قال أبو أمامة : الناس يكونون في ظلمة شديدة ، ثم المؤمنون يعطون الأنوار ، فإذا أسرع المؤمن في الذهاب قال المنافق : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } فيقال لهم : { ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } قال : وهي خدعة خدع بها المنافقون ، كما قال : { يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئاً ، فينصرفون إليهم فيجدون السور مضروباً بينهم وبين المؤمنين وثالثها : قال أبو مسلم : المراد من قول المؤمنين : { ٱرْجِعُواْ } منع المنافقين عن الاستضاءة ، كقول الرجل لمن يريد القرب منه : وراءك أوسع لك ، فعلى هذا القول المقصود من قوله : { ٱرْجِعُواْ } أن يقطعوا بأنه لا سبيل لهم إلى وجدان هذا المطلوب ألبتة ، لا أنه أمر لهم بالرجوع . قوله تعالى : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : اختلفوا في السور ، فمنهم من قال : المراد منه الحجاب والحيلولة أي المنافقون منعوا عن طلب المؤمنين ، وقال آخرون : بل المراد حائط بين الجنة والنار ، وهو قول قتادة ، وقال مجاهد : هو حجاب الأعراف . المسألة الثانية : الباء في قوله : { بِسُورٍ } صلة وهو للتأكيد والتقدير : ضرب بينهم سور كذا ، قاله الأخفش ، ثم قال : { لَّهُ بَابٌ } أي لذلك السور باب { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } أي في باطن ذلك السور الرحمة ، والمراد من الرحمة الجنة التي فيها المؤمنين { وَظَـٰهِرُهُ } يعني وخارج السور { مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } أي من قبله يأتيهم العذاب ، والمعنى أن ما يلي المؤمنين ففيه الرحمة ، وما يلي الكافرين يأتيهم من قبله العذاب ، والحاصل أن بين الجنة والنار حائط وهو السور ، ولذلك السور باب ، فالمؤمنون يدخلون الجنة من باب ذلك السور ، والكافرون يبقون في العذاب والنار .