Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 16-16)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسألتان : المسألة الأولى : قرأ الحسن : ألما يأن ، قال ابن جني : أصل لما لم ، ثم زيد عليها ما فلم نفي لقوله أفعل ، ولما نفي لقوله قد يفعل ، وذلك لأنه لما زيد في الإثبات قد لا جرم زيد في نفيه ما ، إلا أنهم لما ركبوا لم مع ما حدث لها معنى ولفظ ، أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفاً ، فقالوا : لما قمت قام زيد ، أي وقت قيامك قام زيد ، وأما اللفظ فإنه يجوز أن تقف عليها دون مجزومها ، فيجوز أن تقول : جئت ولما ، أي ولما يجيء ، ولا يجوز أن يقول : جئت ولم . وأما الذين قرأوا : { أَلَمْ يَأْنِ } فالمشهور ألم يأن من أنى الأمر يأني إذا جاء إناء أتاه أي وقته . وقرىء : ألم يئن ، من أن يئين بمعنى أنى يأني . المسألة الثانية : اختلفوا في قوله : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } فقال بعضهم : نزل في المنافقين الذين أظهروا الإيمان وفي قلوبهم النفاق المباين للخشوع ، والقائلون بهذا القول لعلهم ذهبوا إلى أن المؤمن لا يكون مؤمناً في الحقيقة إلا مع خشوع القلب ، فلا يجوز أن يقول تعالى ذلك إلا لمن ليس بمؤمن ، وقال آخرون : بل المراد من هو مؤمن على الحقيقة ، لكن المؤمن قد يكون له خشوع وخشية ، وقد لا يكون كذلك ، ثم على هذا القول تحتمل الآية وجوهاً أحدها : لعل طائفة من المؤمنين ما كان فيهم مزيد خشوع ولا رقة ، فحثوا عليه بهذه الآية وثانيها : لعل قوماً كان فيهم خشوع كثير ، ثم زال منهم شدة ذلك الخشوع فحثوا على المعاودة إليها ، عن الأعمش قال : إن الصحابة لما قدموا المدينة أصابوا ليناً في العيش ورفاهية ، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا بهذه الآية وعن أبي بكر : أن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديداً ، فنظر إليهم فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب ، وأما قوله : { لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ففيه قولان : الأول : أن تقدير الآية ، أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم لذكر الله ، أي مواعظ الله التي ذكرها في القرآن ، وعلى هذا الذكر مصدر أضيف إلى الفاعل والقول الثاني : أن الذكر مضاف إلى المفعول ، والمعنى لذكرهم الله ، أي يجب أن يورثهم الذكر خشوعاً ، ولا يكونوا كمن ذكره بالغفلة فلا يخشع قلبه للذكر ، وقوله تعالى : { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } فيه مسائل : المسألة الأولى : ما في موضع جر بالعطف على الذكر وهو موصول ، والعائد إليه محذوف على تقدير وما نزل من الحق ، ثم قال ابن عباس في قوله : { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } يعني القرآن . المسألة الثانية : قال أبو علي : قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم ، { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } خفيفة ، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم ، { وَمَا نَزَلَ } ، مشددة ، وعن أبي عمرو { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } مرتفعة النون مكسورة الزاي ، والتقدير في القراءة الأولى : أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولما نزل من الحق ، وفي القراءة الثانية ولما نزله الله من الحق ، وفي القراءة الثالثة ولما نزل من الحق . المسألة الثالثة : يحتمل أن يكون المراد من الحق هو القرآن لأنه جامع للوصفين الذكر والموعظة وإنه حق نازل من السماء ، ويحتمل أن يكون المراد من الذكر هو ذكر الله مطلقاً ، والمراد بما نزل من الحق هو القرآن ، وإنما قدم الخشوع بالذكر على الخشوع بما نزل من القرآن ، لأن الخشوع والخوف والخشية لا تحصل إلا عند ذكر الله ، فأما حصولها عند سماع القرآن فذاك لأجل اشتمال القرآن على ذكر الله ، ثم قال تعالى : { وَلاَ يَكُونُواْ } قال الفراء : هو في موضع نصب معناه : ألم يأن أن تخشع قلوبهم ، وأن لا يكونوا ، قال : ولو كان جزماً على النهي كان صواباً ، ويدل على هذا الوجه قراءة من قرأ بالتاء على سبيل الالتفات ، ثم قال : { كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ } يريد اليهود والنصارى : { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : ذكروا في تفسير طول الأمد وجوهاً أحدها : طالت المدة بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم وثانيها : قال ابن عباس : مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله وثالثها : طالت أعمارهم في الغفلة فحصلت القسوة في قلوبهم بذلك السبب ورابعها : قال : ابن حبان : الأمد ههنا الأمل البعيد ، والمعنى على هذا طال عليهم الأمد بطول الأمل ، أي لما طالت آمالهم لا جرم قست قلوبهم وخامسها : قال مقاتل بن سليمان : طال عليهم أمد خروج النبي عليه السلام وسادسها : طال عهدهم بسماع التوراة والإنجيل فزال وقعهما عن قلوبهم فلا جرم قست قلوبهم ، فكأنه تعالى نهى المؤمنين عن أن يكونوا كذلك ، قاله القرظي . المسألة الثانية : قرىء الأمد بالتشديد ، أي الوقت الأطول ، ثم قال : { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } أي خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين ، وكأنه إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسق في آخر الأمر .