Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 12-12)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسائل : المسألة الأولى : هذا التكليف يشتمل على أنواع من الفوائد أولها : إعظام الرسول عليه السلام وإعظام مناجاته فإن الإنسان إذا وجد الشيء مع المشقة استعظمه ، وإن وجده بالسهولة استحقره وثانيها : نفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة وثالثها : قال ابن عباس : إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه ، وأراد الله أن يخفف عن نبيه ، فلما نزلت هذه الآية شح كثير من الناس فكفوا عن المسألة ورابعها : قال مقاتل بن حيان : إن الأغنياء غلبوا الفقراء على مجلس النبي عليه الصلاة والسلام وأكثروا من مناجاته حتى كره النبي صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ، فأمر الله بالصدقة عند المناجاة ، فأما الأغنياء فامتنعوا ، وأما الفقراء فلم يجدوا شيئاً ، واشتاقوا إلى مجلس الرسول عليه السلام ، فتمنوا أن لو كانوا يملكون شيئاً فينفقونه ويصلون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعند هذا التكليف ازدادت درجة الفقراء عند الله ، وانحطت درجة الأغنياء وخامسها : يحتمل أن يكون المراد منه التخفيف عليه ، لأن أرباب الحاجات كانوا يلحون على الرسول ، ويشغلون أوقاته التي هي مقسومة على الإبلاغ إلى الأمة وعلى العبادة ، ويحتمل أنه كان في ذلك ما يشغل قلب بعض المؤمنين ، لظنه أن فلاناً إنما ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر يقتضي شغل القلب فيما يرجع إلى الدنيا وسادسها : أنه يتميز به محب الآخرة عن محب الدنيا ، فإن المال محك الدواعي . المسألة الثانية : ظاهر الآية يدل على أن تقديم الصدقة كان واجباً ، لأن الأمر للوجوب ، ويتأكد ذلك بقوله في آخر الآية : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فإن ذلك لا يقال إلا فيما بفقده يزول وجوبه ، ومنهم من قال : إن ذلك ما كان واجباً ، بل كان مندوباً ، واحتج عليه بوجهين الأول : أنه تعالى قال : { ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ } وهذا إنما يستعمل في التطوع لا في الفرض والثاني : أنه لو كان ذلك واجباً لما أزيل وجوبه بكلام متصل به ، وهو قوله : { أأشفقتم أَن تُقَدّمُواْ } [ المجادلة : 13 ] إلى آخر الآية والجواب عن الأول : أن المندوب كما يوصف بأنه خير وأطهر ، فالواجب أيضاً يوصف بذلك والجواب عن الثاني : أنه لا يلزم من كون الآيتين متصلتين في التلاوة ، كونهما متصلتين في النزول ، وهذا كما قلنا في الآية الدالة على وجوب الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً ، إنها ناسخة للاعتداد بحول ، وإن كان الناسخ متقدماً في التلاوة على المنسوخ ، ثم اختلفوا في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ ، فقال الكلبي : ما بقي ذلك التكليف إلا ساعة من النهار ثم نسخ ، وقال مقاتل بن حيان : بقي ذلك التكليف عشرة أيام ثم نسخ . المسألة الثالثة : روي عن علي عليه السلام أنه قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم ، فكلما ناجيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهماً ، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد ، وروي عن ابن جريج والكلبي وعطاء عن ابن عباس : أنهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد إلا علي عليه السلام تصدق بدينار ، ثم نزلت الرخصة . قال القاضي والأكثر في الروايات : أنه عليه السلام تفرد بالتصدق قبل مناجاته ، ثم ورد النسخ ، وإن كان قد روي أيضاً أن أفاضل الصحابة وجدوا الوقت وما فعلوا ذلك ، وإن ثبت أنه اختص بذلك فلأن الوقت لم يتسع لهذا الغرض ، وإلا فلا شبهة أن أكابر الصحابة لا يقعدون عن مثله ، وأقول على تقدير أن أفاضل الصحابة وجدوا الوقت وما فعلوا ذلك ، فهذا لا يجر إليهم طعناً ، وذلك الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير ، فإنه لا يقدر على مثله فيضيق قلبه ، ويوحش قلب الغني فإنه لما لم يفعل الغني ذلك وفعله غيره صار ذلك الفعل سبباً للطعن فيمن لم يفعل ، فهذا الفعل لما كان سبباً لحزن الفقراء ووحشة الأغنياء ، لم يكن في تركه كبير مضرة ، لأن الذي يكون سبباً للألفة أولى مما يكون سبباً للوحشة ، وأيضاً فهذه المناجاة ليست من الواجبات ولا من الطاعات المندوبة ، بل قد بينا أنهم إنما كلفوا بهذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة ، ولما كان الأولى بهذه المناجاة أن تكون متروكة لم يكن تركها سبباً للطعن . المسألة الرابعة : روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : لما نزلت الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " " ما تقول في دينار ؟ " " قلت : لا يطيقونه ، قال : " " كم ؟ " " قلت : حبة أو شعيرة ، قال : " " إنك لزهيد " " والمعنى إنك قليل المال فقدرت على حسب حالك . أما قوله تعالى : { ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ } أي ذلك التقديم في دينكم وأطهر لأن الصدقة طهرة . أما قوله : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فالمراد منه الفقراء ، وهذا يدل على أن من لم يجد ما يتصدق به كان معفواً عنه . المسألة الخامسة : أنكر أبو مسلم وقوع النسخ وقال : إن المنافقين كانوا يمتنعون من بذل الصدقات ، وإن قوماً من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهراً وباطناً إيماناً حقيقياً ، فأراد الله تعالى أن يميزهم عن المنافقين ، فأمر بتقديم الصدقة على النجوى ليتميز هؤلاء الذين آمنوا إيماناً حقيقياً عمن بقي على نفاقه الأصلي ، وإذا كان هذا التكليف لأجل هذه المصلحة المقدرة لذلك الوقت ، لا جرم يقدر هذا التكليف بذلك الوقت ، وحاصل قول أبي مسلم : أن ذلك التكليف كان مقدراً بغاية مخصوصة ، فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة ، فلا يكون هذا نسخاً ، وهذا الكلام حسن ما به بأس ، والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله : { أَءشْفَقْتُمْ } ومنهم من قال : إنه منسوخ بوجوب الزكاة .