Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 23-23)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ } وكل ذلك قد تقدم تفسيره . ثم قال : { ٱلْقُدُّوسُ } قرىء : بالضم والفتح ، وهو البليغ في النزاهة في الذات والصفات ، والأفعال والأحكام والأسماء ، وقد شرحناه في أول سورة الحديد ، ومضى شيء منه في تفسير قوله : { وَنُقَدّسُ لَكَ } [ البقرة : 30 ] وقال الحسن : إنه الذي كثرت بركاته . وقوله : { ٱلسَّلَـٰمُ } فيه وجهان الأول : أنه بمعنى السلامة ومنه دار السلام ، وسلام عليكم وصف به مبالغة في كونه سليماً من النقائص كما يقال : رجاء ، وغياث ، وعدل فإن قيل فعلى هذا التفسير لايبقى بين القدوس ، وبين السلام فرق ، والتكرار خلاف الأصل ، قلنا : كونه قدوساً ، إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر ، كونه : سليماً ، إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب ، فإنه تزول سلامته ولا يبقى سليماً الثاني : أنه سلام بمعنى كونه موجباً للسلامة . وقوله : { ٱلْمُؤْمِنُ } فيه وجهان الأول : أنه الذي آمن أولياءه عذابه ، يقال : آمنه يؤمنه فهو مؤمن والثاني : أنه المصدق ، إما على معنى أنه يصدق أنبياءه بإظهار المعجزة لهم ، أو لأجل أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لسائر الأنبياء ، كما قال : { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] ثم إن الله يصدقهم في تلك الشهادة ، وقرىء بفتح الميم ، يعني المؤمن به على حذف الجار كما حذف في قوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] . وقوله : { ٱلْمُهَيْمِنُ } قالوا : معناه الشاهد الذي لا يغيب عنه شيء . ثم في أصله قولان ، قال الخليل وأبو عبيدة : هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيب على الشيء ، وقال آخرون : مهيمن أصله مؤيمن ، من آمن يؤمن ، فيكون بمعنى المؤمن ، وقد تقدم استقصاؤه عند قوله : { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [ المائدة : 48 ] وقال ابن الأنباري : المهيمن القائم على خلقه برزقه وأنشد : @ ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنه التاليه في العرف والنكر @@ قال معناه : القائم على الناس بعده . وما { ٱلْعَزِيزُ } فهو إما الذي لا يوجد له نظير ، وإما الغالب القاهر . وأما { ٱلْجَبَّارُ } ففيه وجوه أحدها : أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير ، وأصلح الكسير . قال الأزهري : وهو لعمري جابر كل كسير وفقير ، وهو جابر دينه الذي ارتضاه ، قال العجاج : @ قد جبر الدين الإله فجبر @@ والثاني : أن يكون الجبار من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراده ، قال السدي : إنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراده ، قال الأزهري : هي لغة تميم ، وكثير من الحجازيين يقولونها ، وكان الشافعي يقول : جبره السلطان على كذا بغير ألف . وجعل الفراء الجبار بهذا معنى من أجبره ، وهي اللغة المعروفة في الإكراه ، فقال : لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في حرفين ، وهما جبار من أجبر ، ودراك من أدرك ، وعلى هذا القول الجبار هو القهار الثالث : قال ابن الأنباري : الجبار في صفة الله الذي لا ينال ، ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول : جبارة الرابع : قال ابن عباس : الجبار ، هو الملك العظيم ، قال الواحدي : هذا الذي ذكرناه من معاني الجبار في صفة الله ، وللجبار معان في صفة الخلق أحدها : المسلط كقوله : { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } [ ق : 45 ] ، والثاني : العظيم الجسم كقوله : { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } [ المائدة : 22 ] والثالث : المتمرد عن عبادة الله ، كقوله : { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً } [ مريم : 32 ] ، والرابع : القتال كقوله : { بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } [ الشعراء : 130 ] وقوله : { إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 19 ] . أما قوله : { ٱلْمُتَكَبّرُ } ففيه وجوه أحدها : قال ابن عباس : الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله وثانيها : قال قتادة : المتعظم عن كل سوء وثالثها : قال الزجاج : الذي تعظم عن ظلم العباد ورابعها : قال ابن الأنباري : المتكبرة ذو الكبرياء ، والكبرياء عند العرب : الملك ، ومنه قوله تعالى : { وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَاء فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 78 ] ، واعلم أن المتكبر في حق الخلق اسم ذم ، لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر ، وذلك نقص في حق الخلق ، لأنه ليس له كبر ولا علو ، بل ليس معه إلا الحقارة والذلة والمسكنة ، فإذا أظهر العلو كان كاذباً ، فكان ذلك مذموماً في حقه أما الحق سبحانه فله جميع أنواع العلو والكبرياء ، فإذا أظهره فقد أرشد العباد إلى تعريف جلاله وعلوه ، فكان ذلك في غاية المدح في حقه سبحانه ولهذا السبب لما ذكر هذا الإسم : قال : { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } كأنه قيل : إن المخلوقين قد يتكبرون ويدعون مشاركة الله في هذا الوصف لكنه سبحانه منزه عن التكبر الذي هو حاصل للخلق لأنهم ناقصون بحسب ذواتهم ، فادعاؤهم الكبر يكون ضم نقصان الكذب إلى النقصان الذاتي ، أما الحق سبحانه فله العلو والعزة ، فإذا أظهره كان ذلك ضم كمال إلى كمال ، فسبحان الله عما يشركون في إثبات صفة المتكبرية للخلق .