Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-151)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما بين فساد ما يقول الكفار أن الله حرم علينا كذا وكذا ، أردفه تعالى ببيان الأشياء التي حرمها عليهم ، وهي الأشياء المذكورة في هذه الآية ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال صاحب « الكشاف » : « تعال » من الخاص الذي صار عاماً ، وأصله أن يقوله من كان في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه ، ثم كثر وعم ، وما في قوله : { مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } منصوب ، وفي ناصبه وجهان : الأول : أنه منصوب بقوله : { ٱتْلُ } والتقدير : أتل الذي حرمه عليكم ، والثاني : أنه منصوب بحرم ، والتقدير : أتل الأشياء التي حرم عليكم . فإن قيل : قوله : { ألاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } كالتفصيل لما أجمله في قوله : { مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } وهذا باطل ، لأن ترك الشرك والإحسان بالوالدين واجب ، لا محرم . والجواب من وجوه : الأول : أن المراد من التحريم أن يجعل له حريماً معيناً ، وذلك بأن بينه بياناً مضبوطاً معيناً ، فقوله : { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } معناه : أتل عليكم ما بينه بياناً شافياً بحيث يجعل له حريماً معيناً ، وعلى هذا التقرير فالسؤال زائل ، والثاني : أن الكلام تم وانقطع عند قوله { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } ثم ابتدأ فقال : { عَلَيْكُمْ أَن لا تُشْرِكُواْ } كما يقال : عليكم السلام ، أو أن الكلام تم وانقطع عند قوله : { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } ثم ابتدأ فقال : { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } بمعنى لئلا تشركوا ، والتقدير : أتل ما حرم ربكم عليكم لئلا تشركوا به شيئاً . الثالث : أن تكون « أن » في قوله : { أَن لا تُشْرِكُواْ } مفسرة بمعنى : أي ، وتقدير الآية : أتل ما حرم ربكم عليكم ، أي لا تشركوا ، أي ذلك التحريم هو قوله : { لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } . فإن قيل : فقوله : { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } معطوف على قوله : { أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } فوجب أن يكون قوله : { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } مفسراً لقوله : { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } فيلزم أن يكون الإحسان بالوالدين حراماً ، وهو باطل . قلنا : لما أوجب الإحسان إليهما ، فقد حرم الإساءة إليهما . المسألة الثانية : أنه تعالى أوجب في هذه الآية أمور خمسة : أولها : قوله : { أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } . واعلم أنه تعالى قد شرح فرق المشركين في هذه السورة على أحسن الوجوه ، وذلك لأن طائفة من المشركين يجعلون الأصنام شركاء لله تعالى ، وإليهم الإشارة بقوله حكاية عن إبراهيم { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَبِيهِ ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءالِهَةً إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام : 74 ] . والطائفة الثانية : من المشركين عبدة الكواكب ، وهم الذين حكى الله عنهم ، أن إبراهيم عليه السلام أبطل قولهم بقوله : { لا أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } [ الأنعام : 76 ] . والطائفة الثالثة : الذين حكى الله تعالى عنهم : { أَنَّهُمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء ٱلْجِنَّ } [ الأنعام : 100 ] وهم القائلون بيزدان وأهرمن . والطائفة الرابعة : الذين جعلوا لله بنين وبنات ، وأقام الدلائل على فساد أقوال هؤلاء الطوائف والفرق ، فلما بين بالدليل فساد قول هؤلاء الطوائف . قال ههنا : { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } . النوع الثاني : من الأشياء التي أوجبها ههنا قوله : { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } وإنما ثنى بهذا التكليف ، لأن أعظم أنواع النعم على الإنسان نعمة الله تعالى ، ويتلوها نعمة الوالدين ، لأن المؤثر الحقيقي في وجود الإنسان هو الله سبحانه وفي الظاهر هو الأبوان ، ثم نعمهما على الإنسان عظيمة وهي نعمة التربية والشفقة والحفظ عن الضياع والهلاك في وقت الصغر . النوع الثالث : قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } فأوجب بعد رعاية حقوق الأبوين رعاية حقوق الأولاد وقوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ } أي من خوف الفقر وقد صرح بذكر الخوف في قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ } [ الإسراء : 31 ] والمراد منه النهي عن الوأد ، إذ كانوا يدفنون البنات أحياء ، بعضهم للغيرة ، وبعضهم خوف الفقر ، وهو السبب الغالب ، فبين تعالى فساد هذه العلة بقوله : { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } ، لأنه تعالى إذا كان متكفلاً برزق الوالد والولد ، فكما وجب على الوالدين تبقية النفس والاتكال في رزقها على الله ، فكذلك القول في حال الولد ، قال شمر : أملق ، لازم ومتعد . يقال : أملق الرجل ، فهو مملق ، إذا افتقر ، فهذا لازم ، وأملق الدهر ما عنده ، إذا أفسده ، والإملاق الفساد . والنوع الرابع : قوله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قال ابن عباس : كانوا يكرهون الزنا علانية ، ويفعلون ذلك سراً ، فنهاهم الله عن الزنا علانية وسراً ، والأولى أن لا يخصص هذا النهي بنوع معين ، بل يجري على عمومه في جميع الفواحش ظاهرها وباطنها لأن اللفظ عام والمعنى الموجب لهذا النهي وهو كونه فاحشة عام أيضاً ومع عموم اللفظ والمعنى يكون التخصيص على خلاف الدليل ، وفي قوله : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } دقيقة ، وهي : أن الإنسان إذا احترز عن المعصية في الظاهر ولم يحترز عنها في الباطن دل ذلك على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله وطاعته ، ولكن لأجل الخوف من مذمة الناس ، وذلك باطل ، لأن من كان مذمة الناس عنده أعظم وقعاً من عقاب الله ونحوه فإنه يخشى عليه من الكفر ، ومن ترك المعصية ظاهراً وباطناً ، دل ذلك على أنه إنما تركها تعظيماً لأمر الله تعالى وخوفاً من عذابه ورغبة في عبوديته . والنوع الخامس : قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } . واعلم أن هذا داخل في جملة الفواحش إلا أنه تعالى أفرده بالذكر لفائدتين : إحداهما : أن الإفراد بالذكر يدل على التعظيم والتفخيم ، كقوله : { وَمَلَـئِكَتُهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [ البقرة : 98 ] والثانية : أنه تعالى أراد أن يستثني منه ، ولا يتأتى هذا الاستثناء في جملة الفواحش . إذا عرفت هدا فنقول : قوله : { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } أي قتل النفس المحرمة قد يكون حقاً لجرم يصدر منها . والحديث أيضاً موافق له وهو قوله عليه السلام : " " لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير حق " " والقرآن دل على سبب رابع ، وهو قوله تعالى : { إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ } [ المائدة : 33 ] . والحاصل : أن الأصل في قتل النفس هو الحرمة وحله لا يثبت إلا بدليل منفصل ثم إنه تعالى لما بين أحوال هذه الأقسام الخمسة أتبعه باللفظ الذي يقرب إلى القلب القبول ، فقال : { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ } لما في هذه اللفظة من اللطف والرأفة ، وكل ذلك ليكون المكلف أقرب إلى القبول ، ثم أتبعه بقوله : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف ، ومنافعها في الدين والدنيا .