Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 53-53)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسائل : المسألة الأولى : أعلم أنه تعالى بيّـن في هذه الآية أن كل واحد مبتلى بصاحبه ، فأولئك الكفار الرؤساء الأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على كونهم سابقين في الإسلام مسارعين إلى قبوله فقالوا : لو دخلنا في الإسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء المساكين وأن نعترف لهم بالتبعية ، فكان ذلك يشق عليهم . ونظيره قوله تعالى : { أءُلْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } [ القمر : 25 ] { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] وأما فقراء الصحابة فكانوا يرون أولئك الكفار في الراحات والمسرات والطيبات والخصب والسعة ، فكانوا يقولون كيف حصلت هذه الأحوال لهؤلاء مع أنا بقينا في هذه الشدة والضيق والقلة . فقال تعالى : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } فأحد الفريقين يرى الآخر متقدماً عليه في المناصب الدينية والفريق الآخر يرى الفريق الأول متقدماً عليه في المناصب الدنيوية ، فكانوا يقولون أهذا هو الذي فضله الله علينا ، وأما المحققون فهم الذين يعلمون أن كل ما فعله الله تعالى فهو حق وصدق وحكمة وصواب ولا اعتراض عليه ، إما بحكم المالكية على ما هو قول أصحابنا أو بحسب المصلحة على ما هو قول المعتزلة ، فكانوا صابرين في وقت البلاء ، شاكرين في وقت الآلاء والنعماء وهم الذين قال الله تعالى في حقهم { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } . المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة خلق الأفعال من وجهين : الأول : أن قوله { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } تصريح بأن إلقاء تلك الفتنة من الله تعالى ، والمراد من تلك الفتنة ليس إلا اعتراضهم على الله في أن جعل أولئك الفقراء رؤساء في الدين والاعتراض على الله كفر وذلك يدل على أنه تعالى هو الخالق للكفر . والثاني : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا { أَهَـٰؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا } والمراد من قوله { مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } هو أنه مَنَّ عليهم بالإيمان بالله ومتابعة الرسول ، وذلك يدل على أن هذه المعاني إنما تحصل من الله تعالى لأنه لو كان الموجد للإيمان هو العبد ، فالله ما منّ عليه بهذا الإيمان ، بل العبد هو الذي منّ على نفسه بهذا الإيمان ، فصارت هذه الآية دليلاً على قولنا في هذه المسألة من هذين الوجهين : أجاب الجبائي عنه ، بأن الفتنة في التكليف ما يوجب التشديد ، وإنما فعلنا ذلك ليقولوا أهؤلاء ؟ أي ليقول بعضهم لبعض استفهاماً لا إنكاراً { أَهَـٰؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا } بالإيمان ؟ وأجاب الكعبي عنه بأن قال : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } ليصبروا أو ليشكروا ، فكان عاقبة أمرهم أن قالوا { أَهَـٰؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا } على ميثاق قوله { فَٱلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] والجواب عن الوجهين أنه عدول عن الظاهر من غير دليل لا سيما والدليل العقلي قائم على صحة هذا الظاهر ، وذلك لأنه لما كانت مشاهدة هذه الأحوال توجب الأنفة ، والأنفة توجب العصيان والاصرار على الكفر ، وموجب الموجب موجب ، كان الالزام وارداً ، والله أعلم . المسألة الثالثة : في كيفية افتتان البعض بالبعض وجوه : الأول : أن الغنى والفقر كانا سببين لحصول هذا الافتتان كما ذكرنا في قصة نوح عليه السلام ، وكما قال في قصة قوم صالح { َقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِٱلَّذِى ءَامَنتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } [ الأعراف : 76 ] والثاني : ابتلاء الشريف بالوضيع . والثالث : ابتلاء الذكي بالأبله . وبالجملة فصفات الكمال مختلفة متفاوتة ، ولا تجتمع في إنسان واحد ألبتة ، بل هي موزعة على الخلق وصفات الكمال محبوبة لذاتها ، فكل أحد يحسد صاحبه على ما آتاه الله من صفات الكمال . فأما من عرف سر الله تعالى في القضاء والقدر رضي بنصيب نفسه وسكت عن التعرض للخلق ، وعاش عيشاً طيباً في الدنيا والآخرة ، والله أعلم . المسألة الرابعة : قال هشام بن الحكم : إنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا عند حدوثها ، واحتج بهذه الآية ، لأن الافتتان هو الاختبار والامتحان ، وذلك لا يصح إلا لطلب العلم وجوابه قد مر غير مرة .