Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 89-89)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن قوله : { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الذين مضى ذكرهم قبل ذلك وهم الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرهم الله تعالى قبل ذلك ، ثم ذكر تعالى أنه آتاهم الكتاب والحكم والنبوة . واعلم أن العطف يوجب المغايرة ، فهذه الألفاظ الثلاثة لا بد وأن تدل على أمور ثلاثة متغايرة . واعلم أن الحكام على الخلق ثلاث طوائف : أحدها : الذين يحكمون على بواطن الناس وعلى أرواحهم ، وهم العلماء . وثانيها : الذين يحكمون على ظواهر الخلق ، وهم السلاطين يحكمون على الناس بالقهر والسلطنة ، وثالثها : الأنبياء ، وهم الذين أعطاهم الله تعالى من العلوم والمعارف ما لأجله بها يقدرون على التصرف في بواطن الخلق وأرواحهم ، وأيضاً أعطاهم من القدرة والمكنة ما لأجله يقدرون على التصرف في ظواهر الخلق ، ولما استجمعوا هذين الوصفين لا جرم كانوا هم الحكام على الإطلاق . إذا عرفت هذه المقدمة فقوله : { آتيناهم ٱلْكِتَـٰبَ } إشارة إلى أنه تعالى أعطاهم العلم الكثير وقوله : { وَٱلْحُكْمَ } إشارة إلى أنه تعالى جعلهم حكاماً على الناس نافذي الحكم فيهم بحسب الظاهر . وقوله : { وَٱلنُّبُوَّةَ } إشارة إلى المرتبة الثالثة ، وهي الدرجة العالية الرفيعة الشريفة التي يتفرع على حصولها حصول المرتبتين المقدمتين المذكورتين ، وللناس في هذه الألفاظ الثلاثة تفسيرات كثيرة ، والمختار عندنا ما ذكرناه . واعلم أن قوله : { آتيناهم ٱلْكِتَـٰبَ } يحتمل أن يكون المراد من هذا الإيتاء الابتداء بالوحي والتنزيل عليه كما في صحف إبراهيم وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى عليه السلام ، وقرآن محمد صلى الله عليه وسلم . ويحتمل أن يكون المراد منه أن يؤتيه الله تعالى فهماً تاماً لما في الكتاب وعلماً محيطاً بحقائقه وأسراره ، وهذا هو الأولى . لأن الأنبياء الثمانية عشر المذكورين ما أنزل الله تعالى على كل واحد منهم كتاباً إلهياً على التعيين والتخصيص . ثم قال تعالى : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاء } والمرادفان يكفر بهذا التوحيد والطعن في الشرك كفار قريش { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : اختلفوا في أن ذلك القوم من هم ؟ على وجوه ، فقيل : هم أهل المدينة وهم الأنصار ، وقيل : المهاجرون والأنصار ، وقال الحسن : هم الأنبياء الثمانية عشر الذين تقدم ذكرهم وهو اختيار الزجاج . قال الزجاج : والدليل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } وقال أبو رجاء : يعني الملائكة وهو بعيد لأن اسم القوم قلما يقع على غير بني آدم ، وقال مجاهد هم الفرس ، وقال ابن زيد : كل من لم يكفر فهو منهم سواء كان ملكاً أو نبياً أو من الصحابة أو من التابعين . المسألة الثانية : قوله تعالى : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } يدل على أنه إنما خلقهم للإيمان . وأما غيرهم فهو تعالى ما خلقهم للإيمان ، لأنه تعالى لو خلق الكل للإيمان كان البيان والتمكين وفعل الألطاف مشتركاً فيه بين المؤمن وغير المؤمن ، وحينئذ لا يبقى لقوله : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } معنىٰ . وأجاب الكعبي عنه من وجهين : الأول : أنه تعالى زاد المؤمنين عند إيمانهم وبعده من ألطافه وفوائده وشريف أحكامه ما لا يحصيه إلا الله ، وذكر في الجواب وجهاً ثانياً ، فقال : وبتقدير : أن يسوى لكان بعضهم إذا قصر ولم ينتفع صح أن يقال بحسب الظاهر أن لم يحصل له نعم الله كالوالد الذي يسوي بين الولدين في العطية ، فإنه يصح أن يقال : إنه أعطى أحدهما دون الآخر إذا كان ذلك الآخر ضيعه وأفسده . واعلم أن الجواب الأول ضعيف ، لأن الألطاف الداعية إلى الإيمان مشتركة فيما بين الكافر والمؤمن والتخصيص عند المعتزلة غير جائز ، والثاني : أيضاً فاسد . لأن الوالد لما سوى بين الولدين في العطية ، ثم إن أحدهما ضيع نصيبه ، فأي عاقل يجوز أن يقال أن الأب ما أنعم عليه ، وما أعطاه شيئاً . المسألة الثالثة : دلت هذه الآية على أنه تعالى سينصر نبيه ويقوي دينه ، ويجعله مستعلياً على كل من عاداه ، قاهراً لكل من نازعه ، وقد وقع هذا الذي أخبر الله تعالى عنه في هذا الموضع ، فكان هذا جارياً مجرى الأخبار عن الغيب ، فيكون معجزاً . والله أعلم .