Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 5-7)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً } من دعاء إبراهيم . قال ابن عباس : لا تسلط علينا أعداءنا فيظنوا أنهم على الحق ، وقال مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ذلك ، وقيل : لا تبسط عليهم الرزق دوننا ، فإن ذلك فتنة لهم ، وقيل : قوله { لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً } ، أي عذاباً أي سبباً يعذب به الكفرة ، وعلى هذا ليست الآية من قول إبراهيم . وقوله تعالى : { وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا } الآية ، من جملة ما مر ، فكأنه قيل : لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } ثم أعاد ذكر الأسوة تأكيداً للكلام ، فقال : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي في إبراهيم والذين معه ، وهذا هو الحث عن الائتساء بإبراهيم وقومه ، قال ابن عباس : كانوا يبغضون من خالف الله ويحبون من أحب الله ، وقوله تعالى : { لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ } بدل من قوله : { لَكُمْ } وبيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة ، { وَمَن يَتَوَلَّ } أي يعرض عن الائتساء بهم ويميل إلى مودة الكفار { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ } عن مخالفة أعدائه { ٱلْحَمِيدِ } إلى أوليائه . أما قوله : { عَسَى ٱللَّهُ } فقال مقاتل : لما أمر الله تعالى المؤمنين بعداوة الكفار شددوا في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقاربهم والبراءة منهم فأنزل الله تعالى قوله : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مّنْهُم } أي من كفار مكة { مَّوَدَّةَ } وذلك بميلهم إلى الإسلام ومخالطتهم مع أهل الإسلام ومناكحتهم إياهم . وقيل : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ، فلانت عند ذلك عريكة أبي سفيان ، واسترخت شكيمته في العداوة ، وكانت أم حبيبة قد أسلمت ، وهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة ، فتنصر وراودها على النصرانية فأبت ، وصبرت على دينها ، ومات زوجها ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ، فخطبها عليه ، وساق عنه إليها أربعمائة دينار ، وبلغ ذلك أباها فقال : ذلك الفحل لا يفدغ أنفه ، و { عَسَى } وعد من الله تعالى : { وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مّنْهُم مَّوَدَّةً } يريد نفراً من قريش آمنوا بعد فتح مكة ، منهم أبو سفيان بن حرب ، وأبو سفيان بن الحرث ، والحرث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، والله تعالى قادر على تقليب القلوب ، وتغيير الأحوال ، وتسهيل أسباب المودة ، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بهم إذا تابوا وأسلموا ، ورجعوا إلى حضرة الله تعالى ، قال بعضهم : لا تهجروا كل الهجر ، فإن الله مطلع على الخفيات والسرائر . ويروى : أحبب حبيبك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما . ومن المباحث في هذه الحكمة هو أن قوله تعالى : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً } إذا كان تأويله : لا تسلط علينا أعداءنا مثلاً ، فلم ترك هذا ، وأتى بذلك ؟ فنقول : إذا كان ذلك بحيث يحتمل أن يكون عبارة عن هذا ، فإذا أتى به فكأنه أتى بهذا وذلك ، وفيه من الفوائد ما ليس في الاقتصار على واحد من تلك التأويلات . الثاني : لقائل أن يقول : ما الفائدة في قوله تعالى : { وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا } وقد كان الكلام مرتباً إذا قيل : لا تجعلنا فتنة للذين كفروا إنك أنت العزيز الحكيم فنقول : إنهم طلبوا البراءة عن الفتنة ، والبراءة عن الفتنة لا يمكن وجودها بدون المغفرة ، إذ العاصي لو لم يكن مغفوراً كان مقهوراً بقهر العذاب ، وذلك فتنة ، إذ الفتنة عبارة عن كونه مقهوراً ، و { ٱلْحَمِيدُ } قد يكون بمعنى الحامد ، وبمعنى المحمود ، فالمحمود أي يستحق الحمد من خلقه بما أنعم عليهم ، والحامد أي يحمد الخلق ، ويشكرهم حيث يجزيهم بالكثير من الثواب عن القليل من الأعمال . ثم إنه تعالى بعدما ذكر من ترك انقطاع المؤمنين بالكلية عن الكفار رخص في صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار فقال :