Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 4-4)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن الأسوة ما يؤتسى به مثل القدوة لما يقتدى به ، يقال : هو أسوتك ، أي أنت مثله وهو مثلك ، وجمع الأسوة أسى ، فالأسوة اسم لكل ما يقتدى به ، قال المفسرون أخبر الله تعالى أن إبراهيم وأصحابه تبرءوا من قومهم وعادوهم ، وقالوا لهم : { إِنَاْ بُرآء مِنكُمْ } ، وأمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأنسوا بهم وبقوله ، قال الفراء : يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم في التبرئة من أهله في قوله تعالى : { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ } وقوله تعالى : { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } وهو مشرك وقال مجاهد : نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفرون للمشركين ، وقال مجاهد وقتادة : ائتسوا بأمر إبراهيم كله إلا في استغفاره لأبيه ، وقيل : تبرءوا من كفار قومكم فإن لكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه من المؤمنين في البراءة من قومهم ، لا في الاستغفار لأبيه ، وقال ابن قتيبة : يريد أن إبراهيم عاداهم وهجرهم في كل شيء إلا في قوله لأبيه : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } وقال ابن الأنباري : ليس الأمر على ما ذكره ، بل المعنى قد كانت لكم أسوة في كل شيء فعله ، إلا في قوله لأبيه : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } وقوله تعالى : { وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } هذا من قول إبراهيم لأبيه يقول له : ما أغنى عنك شيئاً ، ولا أدفع عنك عذاب الله إن أشركت به ، فوعده الاستغفار رجاء الإسلام ، وقال ابن عباس : كان من دعاء إبراهيم وأصحابه : { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } الآية ، أي في جميع أمورنا { وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا } رجعنا بالتوبة عن المعصية إليك إذ المصير ليس إلا إلى حضرتك ، وفي الآية مباحث : الأول : لقائل أن يقول : { حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } ما الفائدة في قوله : { وَحْدَهُ } والإيمان به وبغيره من اللوازم ، كما قال تعالى : { كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } [ البقرة : 285 ] فنقول : الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر ، من لوازم الإيمان بالله وحده ، إذ المراد من قوله : { وَحْدَهُ } هو وحده في الألوهية ، ولا نشك في أن الإيمان بألوهية غيره ، لا يكون إيماناً بالله ، إذ هو الإشراك في الحقيقة ، والمشرك لا يكون مؤمناً . الثاني : قوله تعالى : { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ } استثناء من أي شيء هو ، نقول : من قوله : { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } لما أنه أراد بالأسوة الحسنة قولهم الذي حق عليهم أن يأتسوا به ، ويتخذوه سنة يستنون بها . الثالث : إن كان قوله : { لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } مستثنى من القول الذي سبق وهو : { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } فما بال قوله : { وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } وهو غير حقيق بالاستثناء ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ الفتح : 11 ] نقول : أراد الله تعالى استثناء جملة قوله لأبيه ، والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده مبني عليه وتابع له ، كأنه قال : أنا استغفر لك ، وما وسعي إلا الاستغفار . الرابع : إذا قيل : بم اتصل قوله : { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } نقول : بما قبل الاستثناء ، وهو من جملة الأسوة الحسنة ، ويجوز أن يكون المعنى هو الأمر بهذا القول تعليماً للمؤمنين وتتميماً لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفرة ، والائتساء بإبراهيم وقومه في البراءة منهم تنبيهاً على الإنابة إلى حضرة الله تعالى ، والاستعاذة به . الخامس : إذا قيل : ما الفائدة في هذا الترتيب ؟ فنقول : فيه من الفوائد مالا يحيط به إلا هو ، والظاهر من تلك الجملة أن يقال : التوكل لأجل الإفادة ، وإفادة التوكل مفتقرة إلى التقوى قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [ الطلاق : 2 ] والتقوى الإنابة ، إذ التقوى الاحتراز عما لا ينبغي من الأمور ، والإشارة إلى أن المرجع والمصير للخلائق حضرته المقدسة ليس إلا ، فكأنه ذكر الشيء ، وذكر عقيبه ما يكون من اللوازم لإفادة ذلك كما ينبغي ، والقراءة في { بُرَاء } على أربعة أوجه : برآء كشركاء ، وبراء كظراف ، وبراء على إبدال الضم من الكسر كرخال ، وبراء على الوصف بالمصدر والبراء والبراءة ، مثل الطماء والطماءة .