Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 14-14)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ أَنصَـارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنَّصَـارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوٰرِيُّونَ نَحْنُ أَنصَـٰرُ ٱللَّهِ } . قوله : { كُونُواْ أَنصَـارَ ٱللَّهِ } أمر بإدامة النصرة والثبات عليه ، أي ودوموا على ما أنتم عليه من النصرة ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود : كونوا أنتم أنصار الله فأخبر عنهم بذلك ، أي أنصار دين الله وقوله : { كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ } أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم : { مَنْ أَنصَارِي إِلَى ٱللَّهِ } قال مقاتل ، يعني من يمنعني من الله ، وقال عطاء : من ينصر دين الله ، ومنهم من قال : أمر الله المؤمنين أن ينصروا محمداً صلى الله عليه وسلم كما نصر الحواريون عيسى عليه السلام ، وفيه إشارة إلى أن النصر بالجهاد لا يكون مخصوصاً بهذه الأمة ، والحواريون أصفياؤه ، وأول من آمن به ، وكانوا اثني عشر رجلاً ، وحواري الرجل صفيه وخلصاؤه من الحور ، وهو البياض الخالص ، وقيل : كانوا قصارين يحورون الثياب ، أي يبيضونها ، وأما الأنصار فعن قتادة : أن الأنصار كلهم من قريش : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وحمزة ، وجعفر ، وأبو عبيدة ابن الجراح ، وعثمان بن مظعون ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعثمان بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، ثم في الآية مباحث : البحث الأول : التشبيه محمول على المعنى والمراد كونوا كما كان الحواريون . الثاني : ما معنى قوله : { مَنْ أَنصَارِي إِلَى ٱللَّهِ } ؟ نقول : يجب أن يكون معناه مطابقاً لجواب الحواريين والذي يطابقه أن يكون المعنى : من عسكري متوجهاً إلى نصرة الله ، وإضافة { أَنصَارِي } خلاف إضافة { أَنْصَارُ ٱللَّهِ } لما أن المعنى في الأول : الذين ينصرون الله ، وفي الثاني : الذين يختصون بي ويكونون معي في نصرة الله . الثالث : أصحاب عيسى قالوا : { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } وأصحاب محمد لم يقولوا هكذا ، نقول : خطاب عيسى عليه السلام بطريق السؤال فالجواب لازم ، وخطاب محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الإلزام ، فالجواب غير لازم ، بل اللازم هو امتثال هذا الأمر ، وهو قوله تعالى : { كُونُواْ أَنصَـارَ ٱللَّهِ } . ثم قال تعالى : { فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين } . قال ابن عباس يعني الذين آمنوا في زمن عيسى عليه السلام ، والذين كفروا كذلك ، وذلك لأن عيسى عليه السلام لما رفع إلى السماء تفرقوا ثلاث فرق ، فرقة قالوا : كان الله فارتفع ، وفرقة قالوا : كان ابن الله فرفعه إليه ، وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه ، وهم المسلمون ، واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس ، واجتمعت الطائفتان الكافرتان على الطائفة المسلمة فقتلوهم وطردوهم في الأرض ، فكانت الحالة هذه حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فظهرت المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } ، وقال مجاهد : { فَأَصْبَحُواْ ظَـٰهِرِينَ } يعني من اتبع عيسى ، وهو قول المقاتلين ، وعلى هذا القول معنى الآية : أن من آمن بعيسى ظهروا على من كفروا به فأصبحوا غالبين على أهل الأديان ، وقال إبراهيم : أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم وأن عيسى كلمة الله وروحه ، قال الكلبي : ظاهرين بالحجة ، والظهور بالحجة هو قول زيد بن علي رضي الله عنه ، والله أعلم بالصواب والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .