Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 2-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } أي ستراً ليستتروا به عما خافوا على أنفسهم من القتل . قال في « الكشاف » : { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } يجوز أن يراد أن قولهم : { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } يمين من أيمانهم الكاذبة ، لأن الشهادة تجري مجرى الحلف في التأكيد ، يقول الرجل : أشهد وأشهد بالله ، وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولى : وبه استشهد أبو حنيفة على أن أشهد يمين ، ويجوز أن يكون وصفاً للمنافقين في استخفافهم بالإيمان ، فإن قيل : لم قالوا نشهد ، ولم يقولوا : نشهد بالله كما قلتم ؟ أجاب بعضهم عن هذا بأنه في معنى الحلف من المؤمن وهو في المتعارف إنما يكون بالله ، فلذلك أخبر بقوله : نشهد عن قوله بالله . وقوله تعالى : { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي أعرضوا بأنفسهم عن طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله ، وقيل : صدوا ، أي صرفوا ومنعوا الضعفة عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم { سَاء } أي بئس { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } حيث آثروا الكفر على الإيمان وأظهروا خلاف ما أضمروا مشاكلة للمسلمين . وقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا } ذلك إشارة إلى قوله : { سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال مقاتل : ذلك الكذب بأنهم آمنوا في الظاهر ، ثم كفروا في السر ، وفيه تأكيد لقوله : { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } وقوله : { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } لا يتدبرون ، ولا يستدلون بالدلائل الظاهرة . قال ابن عباس : ختم على قلوبهم ، وقال مقاتل : طبع على قلوبهم بالكفر فهم لا يفقهون القرآن ، وصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : إنهم كانوا يظنون أنهم على الحق ، فأخبر تعالى أنهم لا يفقهون أنه طبع على قلوبهم ، ثم في الآية مباحث : البحث الأول : أنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل ، ولم يقل : إنهم ساء ما كانوا يعملون ، فلم قلنا هنا ؟ نقول : إن أفعالهم مقرونة بالأيمان الكاذبة التي جعلوها جنة ، أي سترة لأموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون كما مر . الثاني : المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم ، فما معنى قوله تعالى : { ثُمَّ كَفَرُواْ } ؟ نقول : قال في « الكشاف » ثلاثة أوجه أحدها : { ءَامَنُواْ } نطقوا بكلمة الشهادة ، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام { ثُمَّ كَفَرُواْ } ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وثانيها : { ءَامَنُواْ } نطقوا بالإيمان عند المؤمنين { ثُمَّ كَفَرُواْ } نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله تعالى : { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا } وثالثها : أن يراد أهل الذمة منهم . الثالث : الطبع على القلوب لا يكون إلا من الله تعالى ، ولما طبع الله على قلوبهم لا يمكنهم أن يتدبروا ويستدلوا بالدلائل ، ولو كان كذلك لكان هذا حجة لهم على الله تعالى ، فيقولون : إعراضنا عن الحق لغفلتنا ، وغفلتنا بسبب أنه تعالى طبع على قلوبنا ، فنقول : هذا الطبع من الله تعالى لسوء أفعالهم ، وقصدهم الإعراض عن الحق ، فكأنه تعالى تركهم في أنفسهم الجاهلة وأهوائهم الباطلة .