Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 4-6)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ } يعني عبد الله بن أبي ، ومغيث بن قيس ، وجد بن قيس ، كانت لهم أجسام ومنظر ، تعجبك أجسامهم لحسنها وجمالها ، وكان عبد الله بن أبي جسيماً صبيحاً فصيحاً ، وإذا قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله ، وهو قوله تعالى : { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي ويقولوا : إنك لرسول الله تسمع لقولهم ، وقرىء يسمع على البناء للمفعول ، ثم شبههم بالخشب المسندة ، وفي الخشب التخفيف كبدنة وبدن وأسد وأسد ، والتثقيل كذلك كثمرة وثمر ، وخشبة وخشب ، ومدرة ومدر . وهي قراءة ابن عباس ، والتثقيل لغة أهل الحجاز ، والخشب لا تعقل ولا تفهم ، فكذلك أهل النفاق كأنهم في ترك التفهم ، والاستبصار بمنزلة الخشب . وأما المسندة يقال : سند إلى شيء ، أي مال إليه ، وأسنده إلى الشيء ، أي أماله فهو مسند ، والتشديد للمبالغة ، وإنما وصف الخشب بها ، لأنها تشبه الأشجار القائمة التي تنمو وتثمر بوجه ما ، ثم نسبهم إلى الجبن وعابهم به ، فقال : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ } وقال مقاتل : إذا نادى مناد في العسكر ، وانفلتت دابة ، أو نشدت ضالة مثلاً ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب ، وذلك لأنهم على وجل من أن يهتك الله أستارهم ، ويكشف أسرارهم ، يتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة ، ثم أعلم الله رسوله بعداوتهم فقال : { هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } أن تأمنهم على السر ولا تلتفت إلى ظاهرهم فإنهم الكاملون في العداوة بالنسبة إلى غيرهم وقوله تعالى : { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } مفسر وهو دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم وتعليم للمؤمنين أن يدعوا بذلك ، و { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي يعدلون عن الحق تعجباً من جهلهم وضلالتهم وظنهم الفاسد أنهم على الحق . وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } قال الكلبي : لما نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة المنافقين مشى إليه عشائرهم من المؤمنين وقالوا : لهم ويلكم افتضحتم بالنفاق وأهلكتم أنفسكم فأتوا رسول الله وتوبوا إليه من النفاق واسألوه أن يستغفر لكم ، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار فنزلت ، وقال ابن عباس لما رجع عبد الله بن أبي من أحد بكثير من الناس مقته المسلمون وعنفوه وأسمعوه المكروه فقال له بنو أبيه : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك ويرضى عنك ، فقال : لا أذهب إليه ، ولا أريد أن يستغفر لي ، وجعل يلوي رأسه فنزلت . وعند الأكثرين ، إنما دعى إلى الاستغفار لأنه قال : { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلاْذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] وقال : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 7 ] فقيل له : تعال يستغفر لك رسول الله فقال : ماذا قلت : فذلك قوله تعالى : { لَوَّوْاْ رُءوسَهُمْ } وقرىء : { لَوَّوْاْ } بالتخفيف والتشديد للكثرة والكناية قد تجعل جمعاً والمقصود واحد وهو كثير في أشعار العرب قال جرير : @ لا بارك الله فيمن كان يحسبكم إلا على العهد حتى كان ما كانا @@ وإنما خاطب بهذا امرأة وقوله تعالى : { وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } أي عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكر تعالى أن استغفاره لا ينفعهم فقال : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } قال قتادة : نزلت هذه الآية بعد قوله : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } وذلك لأنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " خيرني ربي فلأزيدنهم على السبعين " " فأنزل الله تعالى : { لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } قال ابن عباس : المنافقين ، وقال قوم : فيه بيان أن الله تعالى يملك هداية وراء هداية البيان ، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك ، وقيل : معناه لا يهديهم لفسقهم وقالت المعتزلة : لا يسميهم المهتدين إذا فسقوا وضلوا وفي الآية مباحث : البحث الأول : لم شبههم بالخشب المسندة لا بغيره من الأشياء المنتفع بها ؟ نقول لاشتمال هذا التشبيه على فوائد كثيرة لا توجد في الغير الأولى : قال في « الكشاف » : شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير ، بالخشب المسندة إلى الحائط ، ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به أسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع ، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحائط شبهوا بها في حسن صورهم ، وقلة جداوهم الثانية : الخشب المسندة في الأصل كانت غصناً طرياً يصلح لأن يكون من الأشياء المنتفع بها ، ثم تصير غليظة يابسة ، والكافر والمنافق كذلك كان في الأصل صالحاً لكذا وكذا ، ثم يخرج عن تلك الصلاحية الثالثة : الكفرة من جنس الإنس حطب ، كما قال تعالى : { حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] والخشب المسندة حطب أيضاً الرابعة : أن الخشب المسندة إلى الحائط أحد طرفيها إلى جهة ، والآخر إلى جهة أخرى ، والمنافقون كذلك ، لأن المنافق أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر ، والطرف الآخر وهو الظاهر إلى جهة أهل الإسلام الخامسة : المعتمد عليه الخشب المسندة ما يكون من الجمادات والنباتات ، والمعتمد عليه للمنافقين كذلك ، وإذا كانوا من المشركين إذ هو الأصنام ، إنها من الجمادات أو النباتات . الثاني : من المباحث أنه تعالى شبهم بالخشب المسندة ، ثم قال من بعد ما ينافي هذا التشبيه وهو قوله تعالى : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ } [ المنافقون : 4 ] والخشب المسندة لا يحسبون أصلاً ، نقول : لا يلزم أن يكون المشبه والمشبه به يشتركان في جميع الأوصاف ، فهم كالخشب المسندة بالنسبة إلى الانتفاع وعدم الانتفاع ، وليسوا كالخشب المسندة بالنسبة إلى الاستماع وعدم الاستماع للصيحة وغيرها . الثالث : قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } ولم يقل : القوم الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كل واحد منهم من جملة ما سبق ذكره ؟ نقول : كل أحد من تلك الأقوام داخل تحت قوله : { ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي الذين سبق ذكرهم وهم الكافرون والمنافقون والمستكبرون .