Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 7-8)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخبر الله تعالى بشنيع مقالتهم فقال : { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } كذا وكذا : { وينفضوا } أي يتفرقوا ، وقرىء : { يَنفَضُّواْ } من أنفض القوم إذا فنيت أزوادهم ، قال المفسرون : اقتتل أجير عمر مع أجير عبد الله بن أبي في بعض الغزوات فأسمع أجير عمر عبد الله بن أبي المكروه واشتد عليه لسانه ، فغضب عبد الله وعنده رهط من قومه فقال : أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على قومه فقال : لو أمسكتم النفقة عن هؤلاء يعني المهاجرين لأوشكوا أن يتحولوا عن دياركم وبلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فنزلت ، وقرىء : { لَيُخْرِجَنَّ } بفتح الياء ، وقرأ الحسن وابن أبي عيلة : { لَنَخْرُجَنَّ } بالنون ونصب الأعز والأذل ، وقوله تعالى : { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } قال مقاتل : يعني مفاتيح الرزق والمطر والنبات ، والمعنى أن الله هو الرزاق : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } [ يونس : 31 ] وقال أهل المعاني : خزائن الله تعالى مقدوراته لأن فيها كل ما يشاء مما يريد إخراجه ، وقال الجنيد : خزائن الله تعالى في السموات الغيوب وفي الأرض القلوب وهو علام الغيوب ومقلب القلوب ، وقوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } أي لا يفقهون أن : { أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يۤس : 82 ] وقوله يقولون : { لَئِن رَّجَعْنَا } أي من تلك الغزوة وهي غزوة بني المصطلق إلى المدينة فرد الله تعالى عليه وقال : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ } أي الغلبة والقوة ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ومن المؤمنين وعزهم بنصرته إياهم وإظهار دينهم على سائر الأديان وأعلم رسوله بذلك ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ولو علموه ما قالوا : مقالتهم هذه ، قال صاحب « الكشاف » : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وهم الأخصاء بذلك كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين ، وعن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه ، والغنى الذي لا فقر معه ، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلاً قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً قال : ليس بتيه ولكنه عزة فإن هذا العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه ، وتلا هذه الآية قال بعض العارفين في تحقيق هذا المعنى : العزة غير الكبر ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه ، فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها عن أن يضعها لأقسام عاجلة دنيوية كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلها فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة ، وتختلف من حيث الحقيقة كاشتباه التواضع بالضعة والتواضع محمود ، والضعة مذمومة ، والكبر مذموم ، والعزة محمودة ، ولما كانت غير مذمومة وفيها مشاكلة للكبر ، قال تعالى : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } وفيه إشارة خفية لإثبات العزة بالحق ، والوقوف على حد التواضع من غير انحراف إلى الضعة وقوف على صراط العزة المنصوب على متن نار الكبر ، فإن قيل : قال في الآية الأولى : { لاَّ يَفْقَهُونَ } وفي الأخرى { لاَّ يَعْلَمُونَ } فما الحكمة فيه ؟ فنقول : ليعلم بالأول قلة كياستهم وفهمهم ، وبالثاني كثرة حماقتهم وجهلهم ، ولا يفقهون من فقه يفقه ، كعلم يعلم ، ومن فقه يفقه : كعظم يعظم ، والأول لحصول الفقه بالتكلف والثاني لا بالتكلف ، فالأول علاجي ، والثاني مزاجي .