Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-1)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وجه التعلق بما قبلها ظاهر لما أن تلك السورة للمنافقين الكاذبين وهذه السورة للمنافقين الصادقين ، وأيضاً تلك السورة مشتملة على بطالة أهل النفاق سراً وعلانية ، وهذه السورة على ما هو التهديد البالغ لهم ، وهو قوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } وأما الأول بالآخر فلأن في آخر تلك السورة التنبيه على الذكر والشكر كما مر ، وفي أول هذه إشارة إلى أنهم إن أعرضوا عن الذكر والشكر ، قلنا : من الخلق قوم يواظبون على الذكر والشكر دائماً ، وهم الذين يسبحون ، كما قال تعالى : { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، وقوله تعالى : { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } معناه إذا سبح لله ما في السموات وما في الأرض فله الملك وله الحمد ، ولما كان له الملك فهو متصرف في ملكه والتصرف مفتقر إلى القدرة فقال : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } وقال في « الكشاف » : قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله تعالى وذلك لأن الملك في الحقيقة له لأنه مبدىء لكل شيء ومبدعه والقائم به والمهيمن عليه ، كذلك الحمد فإن أصول النعم وفروعها منه ، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء ، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده ، وقوله تعالى : { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قيل : معناه وهو على كل شيء أراده قدير ، وقيل : قدير يفعل ما يشاء بقدر ما يشاء لا يزيد عليه ولا ينقص . وقد مر ذلك ، وفي الآية مباحث : الأول : أنه تعالى قال في الحديد : { سَبَّحَ } [ الحديد : 1 ] والحشر والصف كذلك ، وفي الجمعة والتغابن { يُسَبّحُ لِلَّهِ } فما الحكمة فيه ؟ نقول : الجواب عنه قد تقدم . البحث الثاني : قال في موضع : { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الحشر : 1 ] وفي موضع آخر { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ الحديد : 1 ] فما الحكمة فيه ؟ قلنا : الحكمة لا بد منها ، ولا نعلمها كما هي ، لكن نقول : ما يخطر بالبال ، وهو أن مجموع السموات والأرض شيء واحد ، وهو عالم مؤلف من الأجسام الفلكية والعنصرية ، ثم الأرض من هذا المجموع شيء والباقي منه شيء آخر ، فقوله تعالى : { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } بالنسبة إلى هذا الجزء من المجموع وبالنسبة إلى ذلك الجزء منه كذلك ، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال ، قال تعالى في بعض السور كذا وفي البعض هذا ليعلم أن هذا العالم الجسماني من وجه شيء واحد ، ومن وجه شيئان بل أشياء كثيرة ، والخلق في المجموع غير ما في هذا الجزء ، وغير ما في ذلك أيضاً ولا يلزم من وجود الشيء في المجموع أن يوجد في كل جزء من أجزائه إلا بدليل منفصل ، فقوله تعالى : { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } على سبيل المبالغة من جملة ذلك الدليل لما أنه يدل على تسبيح ما في السموات وعلى تسبيح ما في الأرض ، كذلك بخلاف قوله تعالى : { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } .