Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 2-4)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنه تعالى خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمناً وكافراً ، وقال عطاء : إنه يريد فمنكم مصدق ، ومنكم جاحد ، وقال الضحاك : مؤمن في العلانية كافر في السر كالمنافق ، وكافر في العلانية مؤمن في السر كعمار بن ياسر ، قال الله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ } [ النحل : 106 ] وقال الزجاج : فمنكم كافر بأنه تعالى خلقه ، وهو من أهل الطبائع والدهرية ، ومنكم مؤمن بأنه تعالى خلقه كما قال : { قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيّ شَيْء خَلَقَهُ } [ عبس : 17 ، 18 ] وقال : { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } [ الكهف : 37 ] وقال أبو إسحاق : خلقكم في بطون أمهاتكم كفاراً ومؤمنين ، وجاء في بعض التفاسير أن يحي خلق في بطن أمه مؤمناً وفرعون خلق في بطن أمه كافراً ، دل عليه قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين من أعمالكم ، والمعنى أنه تعالى تفضل عليكم بأصل النعم التي هي الخلق فأنظروا النظر الصحيح وكونوا بأجمعكم عباداً شاكرين ، فما فعلتم مع تمكنكم بل تفرقتم فرقاً فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقوله تعالى : { خلق ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي بالإرادة القديمة على وفق الحكمة ، ومنهم من قال : بالحق ، أي للحق ، وهو البعث ، وقوله : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } يحتمل وجهين أحدهما : أحسن أي أتقن وأحكم على وجه لا يوجد بذلك الوجه في الغير ، وكيف يوجد وقد وجد في أنفسهم من القوى الدالة على وحدانية الله تعالى وربوبيته دلالة مخصوصة لحسن هذه الصورة وثانيهما : أن نصرف الحسن إلى حسن المنظر ، فإن من نظر في قد الإنسان وقامته وبالنسبة بين أعضائه فقد علم أن صورته أحسن صورة وقوله تعالى : { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي البعث وإنما أضافه إلى نفسه لأنه هو النهاية في خلقهم والمقصود منه ، ثم قال تعالى : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } لأنه لا يلزم من خلق الشيء أن يكون مصوراً بالصورة ، ولا يلزم من الصورة أن تكون على أحسن الصور ، ثم قال : { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع ليس إلا له ، وقوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } نبه بعلمه ما في السموات والأرض ، ثم بعلمه ما يسره العباد وما يعلنونه ، ثم بعلمه ما في الصدور من الكليات والجزئيات على أنه لا يخفى عليه شيء لما أنه تعالى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة ألبتة أزلاً وأبداً ، وفي الآية مباحث : الأول : أنه تعالى حكيم ، وقد سبق في علمه أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر ، والإصرار عليه فأي حكمة دعته إلى خلقهم ؟ نقول : إذا علمنا أنه تعالى حكيم ، علمنا أن أفعاله كلها على وفق الحكمة ، وخلق هذه الطائفة فعله ، فيكون على وفق الحكمة ، ولا يلزم من عدم علمنا بذلك أن لا يكون كذلك بل اللازم أن يكون خلقهم على وفق الحكمة . الثاني : قال : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } وقد كان من أفراد هذا النوع من كان مشوه الصورة سمج الخلقة ؟ نقول : لا سماجة ثمة لكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطاً بيناً لا يظهر حسنه ، وإلا فهو داخل في حيز الحسن غير خارج عن حده . الثالث : قوله تعالى : { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يوهم الانتقال من جانب إلى جانب ، وذلك لا يمكن إلا أن يكون الله في جانب ، فكيف هو ؟ قلت : ذلك الوهم بالنسبة إلينا وإلى زماننا لا بالنسبة إلى ما يكون في نفس الأمر ، فإن نفس الأمر بمعزل عن حقيقة الانتقال من جانب إلى جانب إذا كان المنتقل إليه منزهاً عن الجانب وعن الجهة .