Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 8-9)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { تَوْبَةً نَّصُوحاً } أي توبة بالغة في النصح ، وقال الفراء : نصوحاً من صفة التوبة والمعنى توبة تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه ، وهو أنها الصادقة الناصحة ينصحون بها أنفسهم ، وعن عاصم ، { نَّصُوحاً } بضم النون ، وهو مصدر نحو العقود ، يقال : نصحت له نصحاً ونصاحة ونصوحاً ، وقال في « الكشاف » : وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي ، وهو أن يتوبوا عن القبائح نادمين عليها غاية الندامة لا يعودون ، وقيل : من نصاحة الثوب ، أي خياطته و { عَسَىٰ رَبُّكُمْ } إطماع من الله تعالى لعباده . وقوله تعالى : { يَوْم لاَّ يُخْزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } نصب بيدخلكم ، و { لا يخزي } تعريض لمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسق واستحماد للمؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم ، ثم المعتزلة تعلقوا بقوله تعالى : { يَوْم لاَّ يُخْزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } وقالوا : الإخزاء يقع بالعذاب ، فقد وعد بأن لا يعذب الذين آمنوا ، ولو كان أصحاب الكبائر من الإيمان لم نخف عليهم العذاب ، وأهل السنة أجابوا / عنه بأنه تعالى وعد أهل الإيمان بأن لا يخزيهم ، والذين آمنوا ابتداء كلام ، وخبره { يَسْعَىٰ } ، أو { لا يخزي الله } ، ثم من أهل السنة من يقف على قوله : { يَوْم لاَّ يُخْزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } أي لا يخزيه في رد الشفاعة ، والإخزاء الفضيحة ، أي لا يفضحهم بين يدي الكفار ، ويجوز أن يعذبهم على وجه لا يقف عليه الكفرة ، وقوله : { بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي عند المشي { وَبِأَيْمَـٰنِهِم } عند الحساب ، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم وفيه نور وخير ، ويسعى النور بين أيديهم في موضع وضع الأقدام وبأيمانهم ، لأن خلفهم وشمالهم طريق الكفرة . وقوله تعالى : { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } قال ابن عباس : يقولون ذلك عند إطفاء نور المنافقين إشفاقاً ، وعن الحسن : أنه تعالى متمم لهم نورهم ، ولكنهم يدعون تقرباً إلى حضرة الله تعالى ، كقوله : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } [ محمد : 19 ] وهو مغفور ، وقيل : أدناهم منزلة من نوره بقدر ما يبصر مواطىء قدمه ، لأن النور على قدر الأعمال فيسألون إتمامه ، وقيل : السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط ، وبعضهم كالريح ، وبعضهم حبواً وزحفاً ، فهم الذين يقولون : { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } قاله في « الكشاف » ، وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } ذكر المنافقين مع أن لفظ الكفار يتناول المنافقين { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي شدد عليهم ، والمجاهدة قد تكون بالقتال ، وقد تكون بالحجة تارة باللسان ، وتارة بالسنان ، وقيل : جاهدهم بإقامة الحدود عليهم ، لأنهم هم المرتكبون الكبائر ، لأن أصحاب الرسول عصموا منها { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } وقد مر بيانه ، وفي الآية مباحث : البحث الأول : كيف تعلق { يا أيها الّذين آمنوا } بما سبق وهو قوله : { يا أيها ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ التحريم : 7 ] ؟ فنقول : نبههم تعالى على دفع العذاب في ذلك اليوم بالتوبة في هذا اليوم ، إذ في ذلك اليوم لا تفيد وفيه لطيفة : وهي أن التنبيه على الدفع بعد الترهيب فيما مضى يفيد الترغيب بذكر أحوالهم والإنعام في حقهم وإكرامهم . البحث الثاني : أنه تعالى لا يخزي النبي في ذلك اليوم ولا الذين آمنوا ، فما الحاجة إلى قوله { مَعَهُ } ؟ فنقول : هي إفادة الاجتماع ، يعني لا يخزي الله المجموع الذي يسعى نورهم وهذه فائدة عظيمة ، إذ الاجتماع بين الذين آمنوا وبين نبيهم تشريف في حقهم وتعظيم . البحث الثالث : قوله : { وَٱغْفِرْ لَنَا } يوهم أن الذنب لازم لكل واحد من المؤمنين والذنب لا يكون لازماً ، فنقول : يمكن أن يكون طلب المغفرة لما هو اللازم لكل ذنب ، وهو التقصير في الخدمة والتقصير لازم لكل واحد من المؤمنين . البحث الرابع : قال تعالى في أول السورة : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ } [ التحريم : 1 ] ومن بعده { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ } خاطبه بوصفه وهو النبي لا باسمه كقوله لآدم يا آدم ، ولموسى يا موسى ولعيسى يا عيسى ، نقول : خاطبه بهذا الوصف ، ليدل على فضله عليهم وهذا ظاهر . البحث الخامس : قوله تعالى : { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } يدل على أن مصيرهم بئس المصير مطلقاً إذ المطلق يدل على الدوام ، وغير المطلق لا يدل لما أنه يطهرهم عن الآثام .