Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 19-19)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

البرهان الأول : هو قوله تعالى : { أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ } . { صَافَّـات } أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها { وَيَقْبِضْنَ } ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن . فإن قيل لم قال : { وَيَقْبِضْنَ } ولم يقل وقابضات ، قلنا : لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء ، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرك ، فجيء بما هو طارىء غير أصلي بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة ، كما يكون من السابح . ثم قال تعالى : { ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } وذلك لأنها مع ثقلها وضخامة أجسامها لم يكن بقاؤها في جو الهواء إلا بإمساك الله وحفظه ، وههنا سؤالان : السؤال الأول : هل تدل هذه الآية على أن الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله ، قلنا : نعم ، وذلك لأن استمساك الطير في الهواء فعل اختياري للطير . ثم إنه تعالى قال : { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } فدل هذا على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى . السؤال الثاني : أنه تعالى قال في النحل [ 79 ] : { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرٰتٍ فِى جَوّ ٱلسَّمَآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ } وقال ههنا : { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } فما الفرق ؟ قلنا : ذكر في النحل أن الطير مسخرات في جو السماء فلا جرم كان إمساكها هناك محض الإلهية ، وذكر ههنا أنها صافات وقابضات ، فكان إلهامها إلى كيفية البسط ، والقبض على الوجه المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء بَصِيرٌ } وفيه وجهان الوجه الأول : المراد من البصير ، كونه عالماً بالأشياء الدقيقة ، كما يقال : فلان بصر في هذا الأمر ، أي حذق والوجه الثاني : أن نجري اللفظ على ظاهره فنقول : إنه تعالى شيء ، والله بكل شيء بصير ، فيكون رائياً لنفسه ولجميع الموجودات ، وهذا هو الذي يقوله أصحابنا من أنه تعالى يصح أن يكون مرئياً وأن كل الموجودات كذلك ، فإن قيل : البصير إذا عدي بالباء يكون بمعنى العالم ، يقال : فلان بصير بكذا إن كان عالماً به ، قلنا : لا نسلم ، فإنه يقال : إن الله سميع بالمسموعات ، بصير بالمبصرات .