Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 130-131)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } [ الأعراف : 129 ] لا جرم بدأ ههنا بذكر ما أنزله بفرعون وبقومه من المحن حالاً بعد حال ، إلى أن وصل الأمر إلى الهلاك تنبيهاً للمكلفين على الزجر عن الكفر والتمسك بتكذيب الرسل ، خوفاً من نزول هذه المحن بهم . فقال : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسّنِينَ } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : السنين جميع السنة قال أبو علي الفارسي : السنة على معنيين : أحدهما : يراد بها الحول والعام والآخر يراد بها الجدب وهو خلاف الخصب فمما أريد به الجدب هذه الآية وقوله صلى الله عليه وسلم : " " اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف " " وقول عمر رضي الله عنه : إنا لا نقع في عام السنة ، فلما كانت السنة يعني بها الجدب ، اشتقوا منها كما يشتق من الجدب . ويقال : أسنتوا ، كما يقال أجدبوا . قال الشاعر : @ ورجال مكة مسنتون عجاف @@ قال أبو زيد : بعض العرب تقول ، هذه سنين ورأيت سنيناً ، فتعرب النون . ونحوه . قال الفراء : ومنه قول الشاعر : @ دعاني من نجد فإن سنينه لعبن بنا وشيبننا مردا @@ قال الزجاج : السنين في كلام العرب الجدوب ، يقال مستهم السنة ومعناه : جدب السنة . وشدة السنة . إذا عرفت هذا فنقول : قال المفسرون : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين } يريد الجوع والقحط عاماً بعد عام ، فالسنون لأهل البوادي { وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } لأهل القرى . ثم قال تعالى : { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : ظاهر الآية أنه تعالى إنما أنزل عليهم هذه المضار لأجل أن يرجعوا عن طريقة التمرد والعناد إلى الانقياد والعبودية ، وذلك لأن أحوال الشدة ترقق القلب وترغب فيما عند الله ، والدليل عليه قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67 ] وقوله : { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } [ فصلت : 51 ] . المسألة الثانية : قال القاضي : هذه الآية تدل على أنه تعالى فعل ذلك إرادة منه أن يتذكروا ، لا أن يقيموا على ما هم عليه من الكفر . أجاب الواحدي عنه : بأنه قد جاء لفظ الابتلاء والاختبار في القرآن ، لا بمعنى أنه تعالى يمتحنهم ، لأن ذلك على الله تعالى محال ، بل بمعنى أنه تعالى عاملهم معاملة تشبه الابتلاء والامتحان ، فكذا ههنا والله أعلم . ثم بين تعالى أنهم عند نزول تلك المحن عليهم يقدمون على ما يزيد في كفرهم ومعصيتهم فقال : { فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } قال ابن عباس : يريد بالحسنة العشب والخصب والثمار والمواشي والسعة في الرزق والعافية والسلامة { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } أي نحن مستحقون على العادة التي جرت من كثرة نعمنا وسعة أرزاقنا ، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروه عليه ويقوموا بحق النعمة فيه . وقوله : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } يريد القحط والجدب والمرض والضر والبلاء { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } أي يتشاءموا به . ويقولوا إنما أصابنا هذا الشر بشؤم موسى وقومه ، والتطير التشاؤم في قول جميع المفسرين وقوله : { يَطَّيَّرُواْ } هو في الأصل يتطيروا ، أدغمت التاء في الطاء ، لأنهما من مكان واحد من طرف اللسان وأصول الثنايا وقوله : { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } في الطائر قولان : القول الأول : قال ابن عباس : يريد شؤمهم عند الله تعالى أي من قبل الله أي إنما جاءهم الشر بقضاء الله وحكمه ، فالطائر ههنا الشؤم . ومثله قوله تعالى في قصة ثمود : { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } قال الفراء : وقد تشاءمت اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فقالوا غلت أسعارنا وقلت أمطارنا مذ أتانا ، قال الأزهري : وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة ، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها ، والتطير ببارحها ، ونعيق غربانها ، وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها ، فسموا الشؤم طيراً وطائراً وطيرة لتشاؤمهم بها . ثم أعلم الله تعالى على لسان رسوله أن طيرتهم باطلة ، فقال : { لا طيرة ولا هام } وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل ، ولا يتطير . وأصل الفأل الكلمة الحسنة ، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد ، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الفأل وأبطل الطيرة قال محمد الرازي رحمه الله : ولا بد من ذكر فرق بين البابين . والأقرب أن يقال : إن الأرواح الإنسانية أصفى وأقوى من الأرواح البهيمية والطيرية . فالكلمة التي تجري على لسان الإنسان يمكن الاستدلال بها بخلاف طيران الطير ، وحركات البهائم ، فإن أرواحها ضعيفة ، فلا يمكن الاستدلال بها على شيء من الأحوال . القول الثاني : في تفسير الطائر قال أبو عبيدة : { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي حظهم . وهو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إنما طائرهم ما قضي عليهم وقدر لهم والعرب تقول : أطرت المال وطيرته بين القوم فطار لكل منهم سهمه . أي حصل له ذلك السهم . واعلم أن على كلا القولين ، المعنى : أن كل ما يصيبهم من خير أو شر فهو بقضاء الله تعالى وبتقديره { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن الكل من الله تعالى ، وذلك لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب المحسوسة ويقطونها عن قضاء الله تعالى وتقديره ، والحق أن الكل من الله ، لأن كل موجود ، فهو إما واجب الوجود لذاته أو ممكن لذاته ، والواجب واحد وما سواه ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذته ، وبهذا الطريق يكون الكل من الله فإسنادها إلى غير الله يكون جهلاً بكمال الله تعالى .