Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 132-133)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى أنهم لجهلهم أسندوا حوادث هذا العالم لا إلى قضاء الله تعالى وقدره ، فحكى عنهم في هذه الآية نوعاً آخر من أنواع الجهالة والضلالة ، وهو أنهم لم يميزوا بين المعجزات وبين السحر ، وجعلوا جملة الآيات مثل انقلاب العصا حية من باب السحر منهم . وقالوا لموسى : إنا لا نقبل شيئاً منها ألبتة . وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : في كلمة { مَهْمَا } قولان : الأول : أن أصلها « ماما » الأولى هي « ما » الجزاء ، والثانية هي التي تزاد توكيداً للجزاء ، كما تزاد في سائر حروف الجزاء ، كقولهم : إما ومما وكيفما قال الله تعالى : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ } [ الأنفال : 59 ] وهو كقولك : إن تثقفنهم ، ثم أبدلوا من ألف « ما » الأولى « ها » كراهة لتكرار اللفظ ، فصار « مهما » هذا قول الخليل والبصريين . والثاني : وهو قول الكسائي الأصل « مه » التي بمعنى الكف ، أي أكفف دخلت على « ما » التي للجزاء كأنهم قالوا أكفف ما تأتنا به من آية فهو كذا وكذا . المسألة الثانية : قال ابن عباس : أن القوم لما قالوا لموسى : مهما أتيتنا بآية من ربك ، فهي عندنا من باب السحر ، ونحن لا نؤمن بها ألبتة ، وكان موسى عليه السلام رجلاً حديداً ، فعند ذلك دعا عليهم فاستجاب الله له ، فأرسل عليهم الطوفان الدائم ليلاً ونهاراً سبتاً إلى سبت ، حتى كان الرجل منهم لا يرى شمساً ولا قمراً ولا يستطيع الخروج من داره وجاءهم الغرق ، فصرخوا إلى فرعون واستغاثوا به ، فأرسل إلى موسى عليه السلام وقال : اكشف عنا العذاب فقد صارت مصر بحراً واحداً ، فإن كشفت هذا العذاب آمنا بك ، فأزال الله عنهم المطر وأرسل الرياح فجففت الأرض ، وخرج من النبات ما لم يروا مثله قط . فقالوا : هذا الذي جزعنا منه خير لنا لكنا لم نشعر . فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل فنكثوا العهد ، فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل النبات وعظم الأمر عليهم حتى صارت عند طيرانها تغطي الشمس ، ووقع بعضها على بعض في الأرض ذراعاً ، فأكلت النبات ، فصرخ أهل مصر ، فدعا موسى عليه السلام فأرسل الله تعالى ريحاً فاحتملت الجراد فألقته في البحر ، فنظر أهل مصر إلى أن بقية من كلئهم وزرعهم تكفيهم . فقالوا : هذا الذي بقي يكفينا ولا نؤمن بك . فأرسل الله بعد ذلك عليهم القمل ، سبتاً إلى سبت ، فلم يبق في أرضهم عود أخضر إلا أكلته ، فصاحوا وسأل موسى عليه السلام ربه ، فأرسل الله عليها ريحاً حارة فأحرقتها ، واحتملتها الريح فألقتها في البحر ، فلم يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع بعد ذلك فخرج من البحر مثل الليل الدامس ووقع في الثياب والأطعمة ، فكان الرجل منهم يسقط وعلى رأسه ذراع من الضفادع ، فصرخوا إلى موسى عليه السلام ، وحلفوا بإلهه لئن رفعت عنا هذا العذاب لنؤمنن بك ، فدعا الله تعالى فأمات الضفادع ، وأرسل عليها المطر فاحتملها إلى البحر ، ثم أظهروا الكفر والفساد ، فأرسل الله عليهم الدم فجرت أنهارهم دماً فلم يقدروا على الماء العذب ، وبنو إسرائيل يجدون الماء العذب الطيب حتى بلغ منهم الجهد ، فصرخوا وركب فرعون وأشراف قومه إلى أنهار بني إسرائيل فجعل يدخل الرجل منهم النهر فإذا اغترف صار في يده دماً ومكثوا سبعة أيام في ذل لا يشربون إلا الدم . فقال فرعون : { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرّجْزَ } [ الأعراف : 134 ] إلى آخر الآية ، فهذا هو القول المرضي عند أكثر المفسرين ، وقد وقع في أكثرها اختلافات . أما الطوفان ، فقال الزجاج : الطوفان من كل شيء ما كان كثيراً محيطاً مطبقاً بالقوم كلهم ، كالغرق الذي يشمل المدن الكثيرة ، فإنه يقال له طوفان ، وكذلك القتل الذريع طوفان ، والموت الجارف طوفان . وقال الأخفش : هو فعلان من الطوف ، لأنه يطوف بالشيء حتى يعم . قال : وواحده في القياس طوفانه . وقال المبرد : الطوفان مصدر مثل « الرجحان والنقصان » فلا حاجة إلى أن يطلب له واحداً . إذا عرفت هدا فنقول : الأكثرون على أن هذا الطوفان هو المطر الكثير على ما رويناه عن ابن عباس ، وقد روى عطاء عنه أنه قال : الطوفان هو الموت ، وروى الواحدي رحمه الله بإسناده خبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " الطوفان هو الموت " " وهذا القول مشكل لأنهم لو أميتوا لم يكن لإرسال سائر أنواع العذاب عليهم فائدة ، بل لو صح هذا الخبر لوجب حمل لفظ الموت على حصول أسباب الموت ، مثل المطر الشديد والسيل العظيم وغيرهما ، وأما الجراد ، فهو معروف والواحدة جرادة ، ونبت مجرود قد أكل الجراد ورقه . وقال اللحياني : أرض جردة ومجرودة قد لحسها الجراد ، وإذا أصاب الجراد الزرع قيل جرد الزرع وأصل هذا كله من الجرد ، وهو أخذك الشيء عن الشيء على سبيل النحت والسحق ، ومنه يقال للثوب الذي قد ذهب وبره جرد وأرض جردة لا نبات فيها ، وأما القمل ، فقد اختلفوا فيه . فقيل هو الدبى الصغار الذي لا أجنحة له ، وهي بنات الجراد ، وعن سعيد بن جبير كان إلى جنبهم كثيب أعفر فضربه موسى عليه السلام بعصاه فصار قملاً . فأخذت في أبشارهم وأشعارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ، ولزم جلودهم كأنه الجدري ، فصاحوا وصرخوا وفزعوا إلى موسى فرفع عنهم ، فقالوا : قد تيقنا الآن أنك ساحر عليم . وعزة فرعون لا نؤمن بك أبداً ، وقرأ الحسن { وَٱلْقُمَّلَ } بفتح القاف ، وسكون الميم . يريد القمل المعروف . وأما الدم فما ذكرناه . ونقل صاحب « الكشاف » أنه قيل : سلط الله عليهم الرعاف . وروي أن موسى عليه السلام مكث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات . وأما قوله تعالى : { ءَايَٰتٍ مّفَصَّلاَتٍ } ففيه وجوه : أحدها : { مّفَصَّلاَتٍ } أي مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره ، وثانيها : { مّفَصَّلاَتٍ } أي فصل بين بعضها وبعض بزمان يمتحن فيه أحوالهم وينظر أيقبلون الحجة ؟ والدليل : أو يستمرون على الخلاف والتقليد . قال المفسرون : كان العذاب يبقى عليهم من السبت إلى السبت ، وبين العذاب إلى العذاب شهر ، فهذا معنى قوله : { ءَايَٰتٍ مّفَصَّلاَتٍ } قال الزجاج : وقوله : { ءايَـٰتٍ } منصوبة على الحال . وقوله : { فَٱسْتَكْبَرُواْ } يريد عن عبادة الله { وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } مصرين على الجرم والذنب . ونقل أيضاً أن هذه الأنواع المذكورة من العذاب كانت عند وقوعها مختصة بقوم فرعون ، وكان بنو إسرائيل منها في أمان وفراغ ، ولا شك أن كل واحد منها فهو في نفسه معجز ، واختصاصه بالقبطي دون الإسرائيلي معجز آخر . فإن قال قائل لما علم الله تعالى من حال أولئك الأقوام أنهم لا يؤمنون بتلك المعجزات ، فما الفائدة في تواليها وإظهار الكثير منها ؟ وأيضاً فقوم محمد صلى الله عليه وسلم طلبوا المعجزات فما أجيبوا فما الفرق . والجواب : أما على قول أصحابنا فيفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأما على قول المعتزلة في رعاية الصلاح ، فلعله علم من قوم موسى أن بعضهم كان يؤمن عند ظهور تلك المعجزات الزائدة ، وعلم من قوم محمد صلى الله عليه وسلم أن أحداً منهم لا يزداد بعد ظهور تلك المعجزات الظاهرة إلا كفراً وعناداً ، فظهر الفرق والله أعلم .