Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 144-144)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن موسى عليه السلام لما طلب الرؤية ومنعه الله منها ، عدد الله عليه وجوه نعمه العظيمة التي له عليه ، وأمره أن يشتغل بشكرها كأنه قال له إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظيمة كذا وكذا ، فلا يضيق صدرك بسبب منع الرؤية ، وانظر إلى سائر أنواع النعم التي خصصتك بها واشتغل بشكرها . والمقصود تسلية موسى عليه السلام عن منع الرؤية ، وهذا أيضاً أحد ما يدل على أن الرؤيا جائزة على الله تعالى ، إذ لو كانت ممتنعة في نفسها لما كان إلى ذكر هذا القدر حاجة . واعلم أن الاصطفاء استخلاص الصفوة فقوله : { ٱصْطَفَيْتُكَ } أي اتخذتك صفوة على الناس قال ابن عباس : يريد فضلتك على الناس ، ولما ذكر أنه تعالى اصطفاه ذكر الأمر الذي به حصل هذا الاصطفاء فقال : { بِرِسَـٰلَـٰتِي وَبِكَلَـٰمِي } قرأ ابن كثير ونافع { برسالتي } على الواحد والباقون { بِرِسَـٰلَـٰتِي } على الجمع ، وذلك أنه تعالى أوحى إليه مرة بعد أخرى ، ومن قرأ { برسالتي } فلأن الرسالة تجري مجرى المصدر ، فيجوز إفرادها في موضع الجمع ، وإنما قال : { ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ } ولم يقل على الخلق ، لأن الملائكة قد تسمع كلام الله من غير واسطة كما سمعه موسى عليه السلام . فإن قيل : كيف اصطفاه على الناس برسالاته مع أن كثيراً من الناس قد ساواه في الرسالة ؟ قلنا : إنه تعالى بين أنه خصه من دون الناس بمجموع الأمرين ، وهو الرسالة مع الكلام بغير واسطة ، وهذا المجموع ما حصل لغيره ، فثبت أنه إنما حصل التخصيص ههنا لأنه سمع ذلك الكلام بغير واسطة ، وإنما كان الكلام بغير واسطة سبباً لمزيد الشرف بناء على العرف الظاهر ، لأن من سمع كلام الملك العظيم من فلق فيه كان أعلى حالاً وأشرف مرتبة ممن سمعه بواسطة الحجاب والنواب ، ولما ذكر هذين النوعين من النعمة العظيمة . قال : { فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ وَكُنْ مّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } يعني فخذ هذه النعمة ، ولا يضيق قلبك بسبب منعك الرؤية ، واشتغل بشكر الفوز بهذه النعمة والاشتغال بشكرها إنما يكون بالقيام بلوازمها علماً وعملاً والله أعلم .