Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 145-145)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما بين أنه خص موسى - عليه السلام - بالرسالة ذكر في هذه الآية تفصيل تلك الرسالة فقال : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلاْلْوَاحِ } نقل صاحب « الكشاف » عن بعضهم : أن موسى خر صعقاً يوم عرفة . وأعطاه الله تعالى التوراة يوم النحر ، وذكروا في عدد الألواح ، وفي جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح . وقيل : سبعة . وقيل إنها كانت من زمردة جاء بها جبريل عليه السلام . وقيل من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء . وقال الحسن : كانت من خشب نزلت من السماء . وقال وهب : كانت من صخرة صماء لينها الله لموسى عليه السلام ، وأما كيفية الكتابة . فقال ابن جريج كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور . واعلم أنه ليس في لفظ الآية ما يدل على كيفية تلك الألواح ، وعلى كيفية تلك الكتابة ، فإن ثبت ذلك التفصيل بدليل منفصل قوي ، وجب القول به وإلا وجب السكوت عنه . وأما قوله : { من كل شيء } فلا شبهة فيه أنه ليس على العموم ، بل المراد من كل ما يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام والمحاسن والمقابح . وأما قوله : { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلِّ شَىْءٍ } فهو كالبيان للجملة التي قدمها بقوله : { مِن كُلِّ شَىْءٍ } وذلك لأنه تعالى قسمه إلى ضربين : أحدهما : { مَّوْعِظَةً } والآخر { تَفْصِيلاً } لما يجب أن يعلم من الأحكام ، فيدخل في الموعظة كل ما ذكره الله تعالى من الأمور التي توجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية ، وذلك بذكر الوعد والوعيد ، ولما قرر ذلك أولاً أتبعه بشرح أقسام الأحكام وتفصيل الحلال والحرام ، فقال : { وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } ولما شرح ذلك ، قال لموسى : { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي بعزيمة قوية ونية صادقة ، ثم أمره الله تعالى أن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها ، وظاهر ذلك أن بين التكليفين فرقاً ، ليكون في هذا التفصيل فائدة ، ولذلك قال بعض المفسرين : إن التكليف كان على موسى عليه السلام أشد ، لأنه تعالى لم يرخص له ما رخص لغيره ، وقال بعضهم : بل خصه من حيث كلفه البلاغ والأداء . وإن كان مشاركاً لقومه فيما عداه ، وفي قوله : { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } . سؤال : وهو أنه تعالى لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به ، وظاهر قوله { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } يقتضي أن فيه ما لبس بأحسن ، وإنه لا يجوز لهم الأخذ به ، وذلك متناقض وذكر العلماء في الجواب عنه وجوهاً : الأول : أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن ، كالقصاص ، والعفو ، والانتصار ، والصبر ، أي فمرهم أن يحملوا أنفسهم على الأخذ بما هو أدخل في الحسن ، وأكثر للثواب كقوله : { وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم } [ الزمر : 55 ] وقوله : { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [ الزمر : 18 ] . فإن قالوا : فلما أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن ، فقد منع من الأخذ بذلك الحسن ، وذلك يقدح في كونه حسناً فنقول يحمل أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن على الندب حتى يزول هذا التناقض . الوجه الثاني : في الجواب قال قطرب { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي بحسنها وكلها حسن لقوله تعالى : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ العنكبوت : 45 ] وقول الفرزدق : @ بيتاً دعائمهُ أعز وأطول @@ الوجه الثالث : قال بعضهم : الحسن يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح ، وأحسن هذه الثلاثة الواجبات والمندوبات . وأما قوله : { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } ففيه وجهان : الأول : أن المراد التهديد والوعيد على مخالفة أمر الله تعالى ، وعلى هذا التقدير : فيه وجهان : الأول : قال ابن عباس والحسن ومجاهد دار الفاسقين هي جهنم ، أي فليكن ذكر جهنم حاضراً في خاطركم لتحذروا أن تكونوا منهم . والثاني : قال قتادة : سأدخلكم الشام وأريكم منازل الكافرين الذين كانوا متوطنين فيها من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها وما صاروا إليه من النكال . وقال الكلبي : { دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } هي المساكن التي كانوا يمرون عليها إذا سافروا ، من منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم الله تعالى . والقول الثاني : أن المراد الوعد والبشارة بأنه تعالى سيورثهم أرض أعدائهم وديارهم والله أعلم .