Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 146-146)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة قوله : { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [ الأعراف : 145 ] ذكر في هذه الآية ما يعاملهم به فقال : { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ } واحتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى قد يمنع عن الإيمان ويصد عنه وذلك ظاهر ، وقالت المعتزلة : لا يمكن حمل الآية على ما ذكرتموه ويدل عليه وجوه : الوجه الأول : قال الجبائي لا يجوز أن يكون المراد منه أنه تعالى يصرفهم عن الإيمان بآياته لأن قوله : { سَأَصْرِفُ } يتناول المستقبل وقد بين تعالى أنهم كفروا فكذبوا من قبل هذا الصرف ، لأنه تعالى وصفهم بكونهم متكبرين في الأرض بغير الحق وبأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً ، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ، فثبت أن الآية دالة على أن الكفر قد حصل لهم في الزمان الماضي ، فهذا يدل على أنه ليس المراد من هذا الصرف الكفر بالله . الوجه الثاني : أن قوله : { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ } مذكور على وجه العقوبة على التكبر والكفر ، فلو كان المراد من هذا الصرف هو كفرهم ، لكان معناه أنه تعالى خلق فيهم الكفر عقوبة لهم على إقدامهم على الكفر ، ومعلوم أن العقوبة على الكفر بمثل ذلك الفعل المعاقب عليه لا يجوز ، فثبت أنه ليس المراد من هذا الصرف الكفر . الوجه الثالث : أنه لو صرفهم عن الإيمان وصدهم عنه فكيف يمكن أن يقول مع ذلك { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الانشقاق : 20 ] ، { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ، { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ } [ الإسراء : 94 ، الكهف : 55 ] فثبت أن حمل الآية على هذا الوجه غير ممكن فوجب حملها على وجوه أخرى . فالوجه الأول : قال الكعبـي وأبو مسلم الأصفهاني : إن هذا الكلام تمام لما وعد الله موسى عليه السلام به من إهلاك أعدائه ، ومعنى صرفهم إهلاكهم فلا يقدرون على منع موسى من تبليغها ولا على منع المؤمنين من الإيمان به ، وهو شبيه بقوله : { بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] فأراد تعالى أن يمنع أعداء موسى عليه السلام من إيذائه ومنعه من القيام بما يلزمه في تبليغ النبوة والرسالة . والوجه الثاني : في التأويل ما ذكره الجبائي فقال : سأصرف هؤلاء المتكبرين على نيل ما في آياتي من العز والكرامة المعدين للأنبياء والمؤمنين ، وإنما يصرفهم عن ذلك بواسطة إنزال الذل والإذلال بهم ، وذلك يجري مجرى العقوبة على كفرهم وتكبرهم على الله . والوجه الثالث : أن من الآيات آيات لا يمكن الانتفاع بها إلا بعد سبق الإيمان . فإذا كفروا فقد صيروا أنفسهم بحيث لا يمكنهم الانتفاع بتلك الآيات ، فحينئذ يصرفهم الله عنها . والوجه الرابع : أن الله تعالى إذا علم من حال بعضهم أنه إذا شاهد تلك الآيات فإنه لا يستدل بها بل يستخف بها ولا يقوم بحقها ، فإذا علم الله ذلك منه ، صح من الله تعالى أن يصرفه عنه . والوجه الخامس : نقل عن الحسن أنه قال : إن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى الحد الذي إذا وصل إليه مات قلبه ، فالمراد من قوله : { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِيَ } هؤلاء . فهذا جملة ما قيل في هذا الباب ، وظهر أن هذه الآية ليس فيها دلالة قوية على صحة ما يقول به في مسألة خلق الأعمال . والله أعلم . المسألة الثانية : معنى يتكبرون : أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم وهذه الصفة أعني التكبر لا تكون إلا لله تعالى ، لأنه هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد فلا جرم يستحق كونه متكبراً ، وقال بعضهم : التكبر : إظهار كبر النفس على غيرها . وصفة التكبر صفة ذم في جميع العباد ، وصفة مدح في الله جل جلاله ، لأنه يستحق إظهار ذلك على من سواه لأن ذلك في حقه حق . وفي حق غيره باطل . واعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآية قوله : { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } لأن إظهار الكبر على الغير قد يكون بالحق ، فإن للمحق أن يتكبر على المبطل ، وفي الكلام المشهور التكبر على المتكبر صدقة . أما قوله تعالى : { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } ففيه مباحث : البحث الأول : قرأ حمزة والكسائي : { ٱلرُّشْدِ } بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء وسكون الشين . وفرق أبو عمرو بينهما فقال : { ٱلرُّشْدِ } بضم الراء الصلاح لقوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشداً } [ النساء : 6 ] أي صلاحاً ، و { ٱلرُّشْدِ } بفتحهما الاستقامة في الدين . قال تعالى : { مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً } [ الكهف : 66 ] وقال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد ، مثل الحزن والحزن ، والسقم والسقم ، وقيل : { ٱلرُّشْدِ } بالضم الاسم ، وبالفتحتين المصدر . البحث الثاني : { سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ } عبارة عن سبيل الهدى والدين الحق والصواب في العلم والعمل و { سَبِيلَ ٱلْغَىّ } ما يكون مضاداً لذلك ، ثم بيّن تعالى أن هذا الصرف إنما كان لأمرين : أحدهما : كونهم مكذبين بآيات الله . والثاني : كونهم غافلين عنها ، والمراد أنهم واظبوا على الإعراض عنها حتى صاروا بمنزلة الغافل عنها والله أعلم .