Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 148-148)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن المراد من هذه الآية قصة اتخاذ السامري العجل ، وفيها مسائل : المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي : { حُلِيّهِمْ } بكسر الحاء واللام وتشديد الياء للاتباع كدلـي . والباقون : { حُلِيّهِمْ } بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع حلي كثدي وثدي ، وقرأ بعضهم : { مِنْ حُلِيّهِمْ } على التوحيد ، والحلي اسم ما يتحسن به من الذهب والفضة . المسألة الثانية : قيل : إن بنـي إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فاستعاروا حلي القبط لذلك اليوم ، فلما أغرق الله القبط بقيت تلك الحلي في أيدي بنـي إسرائيل ، فجمع السامري تلك الحلي وكان رجلاً مطاعاً فيهم ذا قدر وكانوا قد سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلٰهاً يعبدونه ، فصاغ السامري عجلاً . ثم اختلف الناس ، فقال قوم كان قد أخذ كفاً من تراب حافر فرس جبريل عليه السلام فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحماً ودماً وظهر منه الخوار مرة واحدة . فقال السامري : هذا إلٰهكم وإلٰه موسى وقال أكثر المفسرين من المعتزلة : إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوفاً ووضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص ، وكان قد وضع ذلك التمثال على مهب الرياح ، فكانت الريح تدخل في جوف الأنابيب ويظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل ، وقال آخرون : إنه جعل ذلك التمثال أجوف ، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار . قال صاحب هذا القول والناس قد يفعلون الآن في هذه التصاوير التي يجرون فيها الماء على سبيل الفوارات ما يشبه ذلك ، فبهذا الطريق وغيره أظهر الصوت من ذلك التمثال ، ثم ألقى إلى الناس أن هذا العجل إلٰههم وإلٰه موسى . بقي في لفظ الآية سؤالات : السؤال الأول : لم قيل : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً } والمتخذ هو السامري وحده ؟ . والجواب : فيه وجهان : الأول : أن الله نسب الفعل إليهم ، لأن رجلاً منهم باشره كما يقال : بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا ، والقائل والفاعل واحد . والثاني : أنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به ، فكأنهم اجتمعوا عليه . السؤال الثاني : لم قال : { مِنْ حُلِيّهِمْ } ولم يكن الحلي لهم ، وإنما حصل في أيديهم على سبيل العارية ؟ . والجواب : أنه تعالى لما أهلك قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم ، وصارت ملكاً لهم كسائر أملاكهم بدليل قوله تعالى : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } [ الدخان : 25 ] ، { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ الشعراء : 58 ] ، { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَـٰكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا قَوْماً ءاخَرِينَ } [ الدخان : 27 ، 28 ] . السؤال الثالث : هؤلاء الذين عبدوا العجل هم كل قوم موسى أو بعضهم ؟ . والجواب : أن قوله تعالى : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً } يفيد العموم . قال الحسن : كلهم عبدوا العجل غير هارون . واحتج عليه بوجهين : الأول : عموم هذه الآية ، والثاني : قول موسى عليه السلام في هذه القصة { رَبّ ٱغْفِرْ لِى وَلاخِى } قال خص نفسه وأخاه بالدعاء ، وذلك يدل على أن من كان مغايراً لهما ما كان أهلاً للدعاء ولو بقوا على الإيمان لما كان الأمر كذلك ، وقال آخرون : بل كان قد بقي في بنـي إسرائيل من ثبت على إيمانه فإن ذلك الكفر إنما وقع في قوم مخصوصين ، والدليل عليه قوله تعالى : { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 181 ] . السؤال الرابع : هل انقلب ذلك التمثال لحماً ودماً على ما قاله بعضهم أو بقي ذهباً كما كان قبل ذلك ؟ . والجواب : الذاهبون إلى الاحتمال الأول احتجوا على صحة قولهم بوجهين : الأول : قوله تعالى : { عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } والجسد اسم للجسم الذي يكون من اللحم والدم ، ومنهم من نازع في ذلك وقال بل الجسد اسم لكل جسم كثيف ، سواء كان من اللحم والدم أو لم يكن كذلك . والحجة الثانية : أنه تعالى أثبت له خواراً ، وذلك إنما يتأتى في الحيوان . وأجيب عنه : بأن ذلك الصوت لما أشبه الخوار لم يبعد إطلاق لفظ الخوار عليه ، وقرأ علي رضي الله عنه : جؤار بالجيم والهمزة ، من جأر إذا صاح فهذا ما قيل في هذا الباب . واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا المذهب والمقالة احتج على فساد كون ذلك العجل إلٰهاً بقوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } وتقرير هذا الدليل أن هذا العجل لا يمكنه أن يكلمهم ولا يمكنه أن يهديهم إلى الصواب والرشد ، وكل من كان كذلك كان إما جماداً وإما حيواناً عاجزاً ، وعلى التقديرين فإنه لا يصلح للإلٰهية ، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن من لا يكون متكلماً ولا هادياً إلى السبيل لم يكن إلٰهاً لأن الإلٰه هو الذي له الأمر والنهي ، وذلك لا يحصل إلا إذا كان متكلماً ، فمن لا يكون متكلماً لم يصح منه الأمر والنهي ، والعجل عاجز عن الأمر والنهي فلم يكن إلٰهاً . وقالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أن شرط كونه إلٰهاً أن يكون هادياً إلى الصدق والصواب ، فمن كان مضلاً عنه وجب أن لا يكون إلٰهاً . فإن قيل : فهذا يوجب أنه لو صح أن يتكلم ويهدي ، يجوز أن يتخذ إلٰهاً ، وإلا فإن كان إثبات ذلك كنفيه في أنه لا يجوز أن يتخذ إلهاً فلا فائدة فيما ذكرتم . والجواب من وجهين : الأول : لا يبعد أن يكون ذلك شرطاً لحصول الإلهية ، فيلزم من عدمه عدم الإلهية وإن كان لا يلزم من حصوله حصول الإلهية . الثاني : أن كل من قدر على أن يكلمهم وعلى أن يهديهم إلى الخير والشر فهو إلٰه ، والخلق لا يقدرون على الهداية ، إنما يقدرون على وصف الهداية ، فأما على وضع الدلائل ونصبها فلا قادر عليه إلا الله سبحانه وتعالى . واعلم أنه ختم الآية بقوله : { وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } أي كانوا ظالمين لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله تعالى واشتغلوا بعبادة العجل ، والله أعلم .