Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 149-149)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنهم اتفقوا على أن المراد من قوله : { سُقِطَ فَى أَيْدِيهِمْ } أنه اشتد ندمهم على عبادة العجل واختلفوا في الوجه الذي لأجله حسنت هذه الاستعارة . فالوجه الأول : قال الزجاج : معناه سقط الندم في أيديهم ، أي في قلوبهم كما يقال حصل في يديه مكروه ، وإن كان من المحال حصول المكروه الواقع في اليد ، إلا أنهم أطلقوا على المكروه الواقع في القلب والنفس كونه واقعاً في اليد ، فكذا ههنا . والوجه الثاني : قال صاحب « الكشاف » : إنما يقال لمن ندم سقط في يده لأن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده غماً ، فيصير ندمه مسقوطاً فيها ، لأن فاه قد وقع فيها . والوجه الثالث : أن السقوط عبارة عن نزول الشيء من أعلى إلى أسفل ، ولهذا قالوا سقط المطر ، ويقال : سقط من يدك شيء وأسقطت المرأة ، فمن أقدم على عمل فهو إنما يقدم عليه لاعتقاده أن ذلك العمل خير وصواب ، وأن ذلك العمل يورثه شرفاً ورفعة ، فإذا بان له أن ذلك العمل كان باطلاً فاسداً فكأنه قد انحط من الأعلى إلى الأسفل وسقط من فوق إلى تحت ، فلهذا السبب يقال للرجل إذا أخطأ : كان ذلك منه سقطة ، شبهوا ذلك بالسقطة على الأرض ، فثبت أن إطلاق لفظ السقوط على الحالة الحاصلة عند الندم جائز مستحسن ، بقي أن يقال : فما الفائدة في ذكر اليد ؟ فنقول : اليد هي الآلة التي بها يقدر الإنسان على الأخذ والضبط والحفظ ، فالنادم كأنه يتدارك الحالة التي لأجلها حصل له الندم ويشتغل بتلافيها ، فكأنه قد سقط في يد نفسه من حيث أن بعد حصول ذلك الندم اشتغل بالتدارك والتلافي . والوجه الرابع : حكى الواحدي عن بعضهم : أن هذا مأخوذ من السقيط وهو ما يغشى الأرض بالغدوات شبه الثلج . يقال : منه سقطت الأرض كما يقال : من الثلج ثلجت الأرض وثلجنا أي أصابها الثلج ، ومعنى سقط في يده أي وقع في يده السقيط ، والسقيط يذوب بأدنى حرارة ولا يبقى ، فمن وقع في يده السقيط لم يحصل منه على شيء قط فصار هذا مثلاً لكل من خسر في عاقبته ولم يحصل من سعيه على طائل ، وكانت الندامة آخر أمره . والوجه الخامس : قال بعض العلماء : النادم إنما يقال له سقط في يده ، لأنه يتحير في أمره ويعجز عن أعماله والآلة الأصلية في الأعمال في أكثر الأمر هي اليد . والعاجز في حكم الساقط فلما قرن السقوط بالأيدي علم أن السقوط في اليد إنما حصل بسبب العجز التام ويقال في العرف لمن لا يهتدي لما يصنع ، ضلت يده ورجله . والوجه السادس : إن من عادة النادم أن يطأطىء رأسه ويضعه على يده معتمداً عليه وتارة يضعها تحت ذقنه ، وشطر من وجهه على هيئة لو نزعت يده لسقط على وجهه فكانت اليد مسقوط فيها لتمكن السقوط فيها ويكون قوله سقط في أيديهم بمعنى سقط على أيديهم ، كقوله : { وَلأَصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] أي عليها ، والله أعلم . ثم قال تعالى : { وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } أي قد تبينوا ضلالهم تبييناً كأنهم أبصروه بعيونهم قال القاضي : يجب أن يكون المؤخر مقدماً لأن الندم والتحير إنما يقطعان بعد المعرفة فكأنه تعالى قال : ولما رأوا أنهم قد ضلوا سقط في أيديهم لما نالهم من عظيم الحسرة ، ويمكن أن يقال إنه لا حاجة إلى هذا التقديم والتأخير ، وذلك لأن الإنسان إذا صار شاكاً في أن العمل الذي أقدم عليه هل هو صواب أو خطأ ؟ فقد يندم عليه من حيث أن الإقدام على ما لا يعلم كونه صواباً أو خطأ فاسداً أو باطلاً غير جائز ، فعند ظهور هذه الحالة يحصل الندم ، ثم بعد ذلك يتكامل العلم ويظهر أنه كان خطأ وفاسداً وباطلاً فثبت أن على هذا التقدير لا حاجة إلى التزام التقديم والتأخير . ثم بين تعالى أنهم عند ظهور هذا الندم وحصول العلم بأن الذي عملوه كان باطلاً أظهروا الانقطاع إلى الله تعالى فـ { قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } وهذا كلام من اعترف بعظيم ما أقدم عليه وندم على ما صدر منه ورغب إلى ربه في إقالة عثرته ، ثم صدقوا على أنفسهم كونهم من الخاسرين إن لم يغفر الله لهم ، وهذا الندم والاستغفار إنما حصل بعد رجوع موسى عليه السلام إليهم ، وقرىء : لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء { وَرَبُّنَا } بالنصب على النداء ، وهذا كلام التائبين كما قال آدم وحواء عليهما السلام : { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا } .