Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-151)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن قوله : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } لا يمنع من أن يكون قد عرف خبرهم من قبل في عبادة العجل ، ولا يوجب ذلك لجواز أن يكون عند الرجوع ومشاهدة أحوالهم صار كذلك ، فلهذا السبب اختلفوا فيه فقال قوم : إنه عند هجومه عليهم عرف ذلك . وقال أبو مسلم : بل كان عارفاً بذلك من قبل ، وهذا أقرب ، ويدل عليه وجوه : الأول : أن قوله تعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } يدل على أنه حال ما كان راجعاً كان غضبان أسفاً ، وهو إنما كان راجعاً إلى قومه قبل وصوله إليهم ، فدل هذا على أنه عليه السلام قبل وصوله إليهم كان عالماً بهذه الحالة . الثاني : أنه تعالى ذكر في سورة طه أنه أخبره بوقوع تلك الواقعة في الميقات . المسألة الثانية : في الأسف قولان : الأول : أن الأسف الشديد الغضب ، وهو قول أبـي الدرداء وعطاء ، عن ابن عباس واختيار الزجاج . واحتجوا بقوله : { فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] أي أغضبونا . والثاني : وهو أيضاً قول ابن عباس والحسن والسدي ، إن الآسف هو الحزين . وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إن أبا بكر رجل أسيف أي حزين . قال الواحدي : والقولان متقاربان ، لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب ، فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت ، وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت . فتسمى إحدى هاتين الحالتين حزناً والأخرى غضباً ، فعلى هذا كان موسى غضبان على قومه لأجل عبادتهم العجل ، أسفاً حزيناً ، لأن الله تعالى فتنهم . وقد كان تعالى قال له : { إِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } [ طه : 85 ] . أما قوله : { بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى } فمعناه بئسما قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي وهذا الخطاب إنما يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه أو لوجوه بنـي إسرائيل ، وهم : هارون عليه السلام والمؤمنون معه ، ويدل عليه قوله : { ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى } [ الأعراف : 142 ] وعلى التقدير الأول يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله ، وعلى هذا التقدير الثاني ، يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث لم تمنعوا من عبادة غير الله تعالى ، وههنا سؤالات : السؤال الأول : أين ما يقتضيه « بئس » من الفاعل ، والمخصوص بالذم . والجواب : الفاعل مضمر يفسره قوله : { مَا خَلَفْتُمُونِى } والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم . السؤال الثاني : أي معنى لقوله : { مِن بَعْدِى } بعد قوله : { خَلَفْتُمُونِى } . والجواب : معناه من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله تعالى ، ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له أو من بعد ما كنت أحمل بنـي إسرائيل على التوحيد وأمنعهم من عبادة البقر حين قالوا : { ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ } ومن حق الخلفاء أن يسيروا سيرة المستخلفين . وأما قوله : { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ } فمعنى العجلة التقدم بالشيء قبل وقته ، ولذلك صارت مذمومة والسرعة غير مذمومة ، لأن معناها عمل الشيء في أول أوقاته . هكذا قاله الواحدي . ولقائل أن يقول : لو كانت العجلة مذمومة ، فلم قال موسى عليه السلام : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىٰ } [ طه : 84 ] قال ابن عباس : المعنى { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ } يعني ميعاد ربكم فلم تصبروا له ؟ وقال الحسن : وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين ، وذلك لأنهم قدروا أنه لما لم يأت على رأس الثلاثين ليلة ، فقد مات . وقال عطاء : يريد أعجلتم سخط ربكم ؟ وقال الكلبي : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم ، ولما ذكر تعالى أن موسى رجع غضبان ذكر بعده ما كان ذلك الغضب موجباً له ، وهو أمران : الأول : أنه قال : { وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ } يريد التي فيها التوراة ، ولما كانت تلك الألواح أعظم معاجزه ، ثم أنه ألقاها دل ذلك على شدة الغضب ، لأن المرء لا يقدم على مثل هذا العمل إلا عند حصول الغضب المدهش . روي أن التوراة كانت سبعة أسباع ، فلما ألقى الألواح تكسرت ، فرفع منها ستة أسباعها وبقي سبع واحد . وكان فيما رفع تفصيل كل شيء ، وفيما بقي الهدى والرحمة ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " يرحم الله أخي موسى ليس الخبر كالمعاينة لقد أخبره الله تعالى بفتنة قومه فعرف أن ما أخبره به حق وأنه على ذلك متمسك بما في يده " " ولقائل أن يقول : ليس في القرآن إلا أنه ألقى الألواح فأما أنه ألقاها بحيث تكسرت ، فهذا ليس في القرآن وأنه لجراءة عظيمة على كتاب الله ، ومثله لا يليق بالأنبياء عليهم السلام . والأمر الثاني : من الأمور المتولدة عن ذلك الغضب . قوله تعالى : { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } وفي هذا الموضع سؤال لمن يقدح في عصمة الأنبياء عليهم السلام ذكرناه في سورة طه مع الجواب الصحيح ، وبالجملة فالطاعنون في عصمة الأنبياء يقولون أنه أخذ برأس أخيه يجره إليه على سبيل الإهانة والاستخفاف ، والمثبتون لعصمة الأنبياء قالوا إنه جر رأس أخيه إلى نفسه ليساره ويستكشف منه كيفية تلك الواقعة . فإن قيل : فلماذا قال { ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى } . قلنا : الجواب عنه أن هرون عليه السلام خاف أن يتوهم جهال بني إسرائيل أن موسى عليه السلام غضبان عليه كما أنه غضبان على عبدة العجل ، فقال له { ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى } وما أطاعوني في ترك عبادة العجل ، وقد نهيتهم ولم يكن معي من الجمع ما أمنعهم بهم عن هذا العمل ، فلا تفعل بي ما تشمت أعدائي به فهم أعداؤك فإن القوم يحملون هذا الفعل الذي تفعله بي على الإهانة لا على الإكرام . وأما قوله تعالى { ٱبْنَ أُمَّ } فاعلم أنه قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم { ٱبْنَ أُمَّ } بكسر الميم ، وفي طه مثله على تقدير أمي فحذف ياء الإضافة لأن مبنى النداء على الحذف وبقي الكسر على الميم ليدل على الإضافة ، كقوله : { ياعِبَادِ } والباقون بفتح الميم في السورتين ، وفيه قولان : أحدهما : أنهما جعلا اسماً واحداً وبنى لكثرة أصطحاب هذين الحرفين فصار بمنزلة اسم واحد نحو حضرموت وخمسة عشر . وثانيهما : أنه على حذف الألف المبدلة من ياء الإضافة ، وأصله يا ابن أما كما قال الشاعر : @ يا ابنة عما لا تلومي واهجعي @@ وقوله : { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى } أي لم يلتفتوا إلى كلامي وكادوا يقتلونني ، فلا تشمت بي الأعداء يعني أصحاب العجل ولا تجعلني مع القوم الظالمين ، الذين عبدوا العجل أي لا تجعلني شريكاً لهم في عقوبتك لهم على فعلهم ، فعند هذا قال موسى عليه السلام : { رَبّ ٱغْفِرْ لِى } أي فيما أقدمت عليه من هذا الغضب والحدة { وَلأَخِى } في تركه التشديد العظيم على عبدة العجل { وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ } . واعلم أن تمام هذه السؤالات والجوابات في هذه القصة مذكور في سورة طه . والله أعلم .