Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 28-28)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن في الناس من حمل الفحشاء على ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسائبة وغيرهما ، وفيهم من حمله على أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء ، والأولى أن يحكم بالتعميم ، والفحشاء عبارة عن كل معصية كبيرة ، فيدخل فيه جميع الكبائر ، واعلم أنه ليس المراد منه أن القرم كانوا يسلمون كون تلك الأفعال فواحش . ثم كانوا يزعمون أن الله أمرهم بها ، فإن ذلك لا يقوله عاقل . بل المراد أن تلك الأشياء كانت في أنفسها فواحش ، والقوم كانوا يعتقدون أنها طاعات ، وإن الله أمرهم بها ، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم كانوا يحتجون على إقدامهم على تلك الفواحش بأمرين . أحدهما : أنا وجدنا عليها آباءنا . والثاني : أن الله أمرنا بها . أما الحجة الأولى : فما ذكر الله عنها جواباً ، لأنها إشارة إلى محض التقليد ، وقد تقرر في عقل كل أحد أنه طريقة فاسدة ، لأن التقليد حاصل في الأديان المتناقضة ، فلو كان التقليد طريقاً حقاً للزم الحكم بكون كل واحد من المتناقضين حقاً ومعلوم أنه باطل ، ولما كان فساد هذا الطريق ظاهراً جلياً لكل أحد لم يذكر الله تعالى الجواب عنه . وأما الحجة الثانية : وهي قولهم : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } فقد أجاب عنه بقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء } والمعنى أنه ثبت على لسان الأنبياء والرسل كون هذه الأفعال منكرة قبيحة ، فكيف يمكن القول بأن الله تعالى أمرنا بها ؟ وأقول للمعتزلة أن يحتجوا بهذه الآية على أن الشيء إنما يقبح لوجه عائد إليه ، ثم إنه تعالى نهى عنه لكونه مشتملاً على ذلك الوجه ، لأن قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء } إشارة إلى أنه لما كان ذلك موصوفاً في نفسه بكونه من الفحشاء امتنع أن يأمر الله به ، وهذا يقتضي أن يكون كونه في نفسه من الفحشاء مغايراً لتعلق الأمر والنهب به ، وذلك يفيد المطلوب . وجوابه : يحتمل أنه لما ثبت بالاستقراء أنه تعالى لا يأمر إلا بما يكون مصلحة للعباد ، ولا ينهي إلا عما يكون مفسده لهم ، فقد صح هذا التعليل لهذا المعنى . والله أعلم . ثم قال تعالى : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وفيه بحثان : البحث الأول : المراد منه أن يقال : إنكم تقولون إن الله أمركم بهذه الأفعال المخصوصة فعلمكم بأن الله أمركم بها حصل لأنكم سمعتم كلام الله تعالى ابتداء من غير واسطة ، أو عرفتم ذلك بطريق الوحي إلى الأنبياء ؟ أما الأول : فمعلوم الفساد بالضرورة . وأما الثاني : فباطل على قولكم ، لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء على الإطلاق ، لأن هذه المناظرة وقعت مع كفار قريش ، وهم كانوا ينكرون أصل النبوة ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلا طريق لهم إلى تحصيل العلم بأحكام الله تعالى ، فكان قولهم أن الله أمرنا بها قولاً على الله تعالى بما لا يكون معلوماً . وإنه باطل . البحث الثاني : نفاة القياس قالوا : الحكم المثبت بالقياس مظنون وغير معلوم ، وما لا يكون معلوماً لم يجز القول به لقوله تعالى في معرض الذم والسخرية : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وجواب مثبتي القياس عن أمثال هذه الدلالة قد ذكرناه مراراً . والله أعلم .