Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 37-37)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن قوله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَـٰتِهِ } يرجع إلى قوله { والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها } [ الأعراف : 36 ] وقوله : { فَمَنْ أَظْلَمُ } أي فمن أعظم ظلماً ممن يقول على الله مالم يقله أو كذب ما قاله . والأول : هو الحكم بوجود ما لم يوجد . والثاني : هو الحكم بإنكار ما وجد والأول دخل فيه قول من أثبت الشريك لله سواء كان ذلك الشريك عبارة عن الأصنام أو عن الكواكب أو عن مذهب القائلين بيزدان وأهرمن . ويدخل فيه قول من أثبت البنات والبنين لله تعالى ، ويدخل فيه قول من أضاف الأحكام الباطلة إلى الله تعالى . والثاني : يدخل فيه قول من أنكر كون القرآن كتاباً نازلاً من عند الله تعالى وقول من أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } واختلفوا في المراد بذلك النصيب على قولين : أحدهما : أن المراد منه العذاب ، والمعنى ينالهم ذلك العذاب المعين الذي جعله نصيباً لهم في الكتاب ، ثم اختلفوا في ذلك العذاب المعين . فقال بعضهم هو سواد الوجه وزرقة العين ، والدليل عليه قوله تعالى : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [ الزمر : 60 ] وقال الزجاج : هو المذكور في قوله تعالى : { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } [ الليل : 14 ] وفي قوله : { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } [ الجن : 17 ] وفي قوله : { إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ } [ غافر : 71 ] فهذه الأشياء هي نصيبهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم . والقول الثاني : أن المراد من هذا النصيب شيء سوى العذاب ، واختلفوا فيه فقيل : هم اليهود والنصارى يجب لهم علينا إذا كانوا أهل ذمة لنا أن لا تتعدى عليهم وأن ننصفهم وأن نذب عنهم فذلك هو معنى النصيب من الكتاب وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب أي ما سبق لهم في حكم الله وفي مشيئته من الشقاوة والسعادة ، فإن قضى الله لهم بالختم على الشقاوة ، أبقاهم على كفرهم ، وإن قضى لهم بالختم على السعادة نقلهم إلى الإيمان والتوحيد ، وقال الربيع وابن زيد يعني : ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار ، فإذا فنيت وانقرضت وفرغوا منها { جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } واعلم أن هذا الاختلاف إنما حصل ، لأنه تعالى قال : { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } ولفظ « النصيب » مجمل محتمل لكل الوجوه المذكورة وقال بعض المحققين : حمله على العمر والرزق أولى ، لأنه تعالى بين أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم ، إلا أن ذلك ليس بمانع من أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفضلاً من الله تعالى ، لكي يصلحوا ويتوبوا ، وأيضاً فقوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } يدل على أن مجيء الرسل للتوفي ، كالغاية لحصول ذلك النصيب ، فوجب أن يكون حصول ذلك النصيب متقدماً على حصول الوفاة ، والمتقدم على حصول الوفاة ، ليس إلا العمر والرزق . أما قوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَمَا كُنتُمْ } ففيه مسائل : المسألة الأولى : قال الخليل وسيبويه : لا يجوز إمالة « حتى » و « ألا » و « أما » وهذه ألفات ألزمت الفتح ، لأنها أواخر حروف جاءت لمعان يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف ، نحو : حبلى وهدى إلا أن { حَتَّىٰ } كتبت بالياء لأنها على أربعة أحرف فأشبهت سكرى . وقال بعض النحويين : لا يجوز إمالة { حَتَّىٰ } لأنها حرف لا يتصرف ، والإمالة ضرب من التصرف . المسألة الثانية : قوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } فيه قولان : القول الأول : المراد هو قبض الأرواح ، لأن لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى . قال ابن عباس الموت قيامة الكافر ، فالملائكة يطالبونهم بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزجر والتوبيخ والتهديد ، وهؤلاء الرسل هم ملك الموت وأعوانه . والقول الثاني : وهو قول الحسن ، وأحد قولي الزجاج أن هذا لا يكون في الآخرة ومعنى قوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا } أي : ملائكة العذاب { يَتَوَفَّوْنَهُمْ } أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى النار على معنى أنهم يستكملون عدتهم ، حتى لا ينفلت منهم أحد . المسألة الثالثة : قوله : { أَيْنَمَا كُنتُمْ } معناه أين الشركاء الذين كنتم تدعونهم وتعبدونهم من دون الله . ولفظة « ما » وقعت موصولة بأين في خط المصحف . قال صاحب « الكشاف » : وكان حقها أن تفصل ، لأنها موصولة بمعنى : أين الآلهة الذين تدعون . ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا : { ضَـلُّواْ عَنَّا } أي : بطلوا وذهبوا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين عند معاينة الموت . واعلم أن على جميع الوجوه ، فالمقصود من الآية زجر الكفار عن الكفر ، لأن التهويل يذكر هذه الأحوال مما يحمل العاقل على المبالغة في النظر والاستدلال والتسدد في الاحتراز عن التقليد .