Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 38-39)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذه الآية من بقية شرح أحوال الكفار وهو أنه تعالى يدخلهم النار . أما قوله تعالى : { قَالَ ٱدْخُلُواْ } ففيه قولان : الأول : إن الله تعالى يقول ذلك . والثاني : قال مقاتل : هو من كلام خازن النار ، وهذا الاختلاف بناء على أنه تعالى هل يتكلم مع الكفار أم لا ؟ وقد ذكرنا هذه المسألة بالاستقصاء . أما قوله تعالى : { ٱدْخُلُواْ فِى أُمَمٍ } ففيه وجهان : الوجه الأول : التقدير : ادخلوا في النار مع أمم ، وعلى هذا القول ففي الآية إضمار ومجاز أما الإضمار فلأنا أضمرنا فيها قولنا : في النار . وأما المجاز ، فلأنا حملنا كلمة « في » على « مع » لأنا قلنا معنى قوله : { فِى أُمَمٍ } أي مع أمم . والوجه الثاني : أن لا يلتزم الإضمار ولا يلتزم المجاز ، والتقدير : ادخلوا في أمم في النار ، ومعنى الدخول في الأمم ، الدخول فيما بينهم وقوله : { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مّن ٱلْجِنّ وَٱلإِنسِ } أي تقدم زمانهم زمانكم ، وهذا يشعر بأنه تعالى لا يدخل الكفار بأجمعهم في النار دفعة واحدة ، بل يدخل الفوج بعد الفوج ، فيكون فيهم سابق ومسبوق ، ليصح هذا القول ، ويشاهد الداخل من الأمة في النار من سبقها وقوله : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } والمقصود أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً فيتبرأ بعضهم من بعض ، كما قال تعالى : { ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] والمراد بقوله : { أُخْتَهَا } أي في الدين ، والمعنى : أن المشركين يلعنون المشركين ، وكذلك اليهود ، تلعن اليهود ، والنصارى النصارى ، وكذا القول في المجوس ، والصابئة وسائر أديان الضلالة . وقوله : { حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا } أي تداركوا ، بمعنى تلاحقوا ، واجتمعوا في النار ، وأدرك بعضهم بعضاً ، واستقر معه { قَالَتْ أُولَـٰهُمْ لأُخْرَاهُمْ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : في تفسير الأولى والأخرى قولان : الأول : قال مقاتل أخراهم يعني آخرهم دخولاً في النار ، لأولاهم دخولاً فيها . والثاني : أخراهم منزلة ، وهم الأتباع والسفلة ، لأولاهم منزلة وهم القادة والرؤساء . المسألة الثانية : « اللام » في قوله : { لاِخْرَاهُمْ } لام أجل ، والمعنى : لأجلهم ولإضلالهم إياهم { قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلآء أَضَلُّونَا } وليس المراد أنهم ذكروا هذا القول لأولاهم ، لأنهم ما خاطبوا أولاهم ، وإنما خاطبوا الله تعالى بهذا الكلام . أما قوله تعالى : { رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا } فالمعنى : أن الأتباع يقولون إن المتقدمين أضلونا ، واعلم أن هذا الإضلال يقع من المتقدمين للمتأخرين على وجهين : أحدهما : بالدعوة إلى الباطل ، وتزيينه في أعينهم ، والسعي في إخفاء الدلائل المبطلة لتلك الأباطيل . والوجه الثاني : بأن يكون المتأخرون معظمين لأولئك المتقدمين ، فيقلدونهم في تلك الأباطيل والأضاليل التي لفقوها ويتأسون بهم ، فيصير ذلك تشبيهاً بإقدام أولئك المتقدمين على الإضلال . ثم حكى الله تعالى عن هؤلاء المتأخرين أنهم يدعون على أولئك المتقدمين بمزيد العذاب وهو قوله : { فَئَاتِهِم عذاباً ضِعفاً من النار } وفي الضعف ، قولان : القول الأول : قال أبو عبيدة « الضعف » هو مثل الشيء مرة واحدة . وقال الشافعي رحمه الله : ما يقارب هذا ، فقال في رجل أوصى فقال اعطوا فلاناً ضعف نصيب ولدي قال : يعطي مثله مرتين . والقول الثاني : قال الأزهري : « الضعف » في كلام العرب المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على المثلين ، وجائز في كلام العرب أن تقول : هذا ضعفه ، أي مثلاه وثلاثة أمثاله ، لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة ، والدليل عليه : قوله تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَاء ٱلضّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } [ سبأ : 37 ] ولم يرد به مثلاً ولا مثلين ، بل أولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله ، لقوله تعالى : { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] فثبت أن أقل الضعف محصور وهو المثل وأكثره غير محصور إلى ما لا نهاية له . وأما مسألة الشافعي رحمه الله : فاعلم أن التركة متعلقة بحقوق الورثة ، إلا أنا لأجل الوصية صرفنا طائفة منها إلى الموصى له ، والقدر المتيقن في الوصية هو المثل ، والباقي مشكوك ، فلا جرم أخذنا المتيقن وطرحنا المشكوك ، فلهذا السبب حملنا الضعف في تلك المسألة على المثلين . أما قوله تعالى : { قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } فيه مسألتان : المسألة الأولى : قرأ أبو بكر عن عاصم { يَعْلَمُونَ } بالياء على الكناية عن الغائب ، والمعنى : ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر ، فيحمل الكلام على كل ، لأنه وإن كان للمخاطبين فهو اسم ظاهر موضوع للغيبة ، فحمل على اللفظ دون المعنى ، وأما الباقون فقرؤوا بالتاء على الخطاب والمعنى : ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ، ما لكل فريق منكم من العذاب ، ويجوز ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا ما مقدار ذلك . المسألة الثانية : لقائل أن يقول : إن كان المراد من قوله : { لِكُلّ ضِعْفٌ } أي حصل لكل أحد من العذاب ضعف ما يستحقه ، فذلك غير جائز لأنه ظلم ، وإن لم يكن المراد ذلك ، فما معنى كونه ضعفاً ؟ والجواب : أن عذاب الكفار يزيد ، فكل ألم يحصل فإنه يعقبه حصول ألم آخر إلى غير نهاية فكانت تلك الآلام متضاعفة متزايدة لا إلى آخر ، ثم بين تعالى أن أخراهم كما خاطبت أولاهم ، فكذلك تجيب أولاهم أخراهم ، فقال : { وَقَالَتْ أُولَـٰهُمْ لاِخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } أي في ترك الكفر والضلال ، وإنا متشاركون في استحقاق العذاب . ولقائل أن يقول : هذا منهم كذب ، لأنهم لكونهم رؤساء وسادة وقادة ، قد دعوا إلى الكفر وبالغوا في الترغيب فيه ، فكانوا ضالين ومضلين ، وأما الأتباع والسفلة ، فهم وإن كانوا ضالين ، إلا أنهم ما كانوا مضلين ، فبطل قولهم أنه لا فضل للأتباع على الرؤساء في ترك الضلال والكفر . وجوابه : أن أقصى ما في الباب أن الكفار كذبوا في هذا القول يوم القيامة ، وعندنا أن ذلك جائز ، وقد قررناه في سورة الأنعام في قوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . أما قوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } فهذا يحتمل أن يكون من كلام القادة ، وإن يكون من قول الله تعالى لهم جميعاً . واعلم أن المقصود من هذا الكلام التخويف والزجر ، لأنه تعالى لما أخبر عن الرؤساء والأتباع أن بعضهم يتبرأ عن بعض ، ويلعن بعضهم بعضاً ، كان ذلك سبباً لوقوع الخوف الشديد في القلب .