Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 70-72)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هوداً عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدليل القاطع ، وذلك لأنه بين أن نعم الله عليهم كثيرة عظيمة ، وصريح العقل يدل على أنه ليس للأصنام شيء من النعم على الخلق لأنها جمادات ، والجماد لا قدرة له على شيء أصلاً ، وظاهر أن العبادة نهاية التعظيم . ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام وذلك يدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوا الله ، وأن لا يعبدوا شيئاً من الأصنام ، ومقصود الله تعالى من ذكر أقسام إنعامه على العبيد ، هذه الحجة التي ذكرها ثم إن هوداً عليه السلام لما ذكر هذه الحجة اليقينية لم يكن من القوم جواب عن هذه الحجة التي ذكرها إلا التمسك بطريقة التقليد . فقالوا : { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا } ثم قالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } وذلك لأنه عليه السلام قال : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [ الأعراف : 65 ] فقوله : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } مشعر بالتهديد والتخويف بالوعيد فلهذا المعنى قالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يعتقدون كونه كاذباً بدليل أنهم قالوا له : { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } [ الأعراف : 66 ] فلما اعتقدوا كونه كاذباً قالوا له : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } والغرض أنه إذا لم يأتهم بذلك العذاب ظهر للقوم كونه كاذباً ، وإنما قالوا ذلك لأنهم ظنوا أن الوعد لا يجوز أن يتأخر ، فلا جرم استعجلوه على هذا الحد . ثم حكى الله تعالى عن هود عليه السلام أنه قال عند هذا الكلام : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : هذا الذي أخبر الله عنه بأنه وقع لا يجوز أن يكون هو العذاب ، لأن العذاب ما كان حاصلاً في ذلك الوقت وقد اختلفوا فيه قال القاضي : تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر ، إلا أنا نقول : معناه أنه تعالى أحدث إرادة في ذلك الوقت ، لأن بعد كفرهم وتكذيبهم حدثت هذه الإرادة . واعلم أن هذا القول عندنا باطل ، بل عندنا في الآية وجوه من التأويلات : أحدها : أنه تعالى أخبره في ذلك الوقت بنزول العذاب عليهم ، فلما حدث الإعلام في ذلك الوقت ، لا جرم قال هود في ذلك الوقت : { وَقَعَ عَلَيْكُم مّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } وثانيها : أنه جعل التوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع . ونظيره قولك لمن طلب منك شيئاً ، قد كان ذلك بمعنى أنه سيكون ، ونظيره قوله تعالى : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] بمعنى : سيأتي أمر الله . وثالثها : أنا نحمل قوله : { وَقَعَ } على معنى وجد وحصل ، والمعنى : إرادة إيقاع العذاب عليكم حصلت من الأزل إلى الأبد ، لأن قولنا : حصل لا إشعار له بالحدوث بعد ما لم يكن . المسألة الثانية : الرجس لا يمكن أن يكون المراد منه العذاب لأن المراد من الغضب العذاب ، فلو حملنا الرجس عليه لزم التكرير ، وأيضاً الرجس ضد التزكية والتطهير . قال تعالى : { تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا } [ التوبة : 103 ] وقال في صفة أهل البيت : { وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً } [ الأحزاب : 33 ] والمراد التطهر من العقائد الباطلة والأفعال المذمومة ، وإذا كان كذلك ، وجب أن يكون الرجس عبارة عن العقائد الباطلة والأفعال المذمومة . إذا ثبت هذا فقوله : { قد وقع عليكم من ربكم رجس } يدل على أنه تعالى خصهم بالعقائد المذمومة والصفات القبيحة ، وذلك يدل على أن الخير والشر من الله تعالى ، قال القفال : يجوز أن يكون الرجس هو الازدياد في الكفر بالرين على القلوب كقوله تعالى : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] أي قد وقع عليكم من الله رين على قلوبكم عقوبة منه لكم بالخذلان لألفكم الكفر وتماديكم في الغي . واعلم أنا قد دللنا على أن هذه الآية تدل على أن كفرهم من الله ، فهذا الذي قاله القفال أن كان المراد منه ذلك . فقد جاء بالوفاق . إلا أنه شديد النفرة عن هذا المذهب وأكثر تأويل الآيات الدالة على هذا المذهب تدل على أنه لا يقول بهذا القول وإن كان المراد منه الجواب عما شرحناه ، فهو ضعيف لأنه ليس فيه ما يوجب رفع الدليل الذي ذكرناه ، والله أعلم . وحاصل الكلام في الآية : أن القوم لما أصروا على التقليد وعدم الانقياد للدليل زادهم الله كفراً ، وهو المراد من قوله : { قد وقع عليكم من ربكم رجس } ثم خصهم بمزيد الغضب ، وهو قوله : { وغضب } . ثم قال : { أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان } والمراد منه : الاستفهام على سبيل الإنكار ، وذلك لأنهم كانوا يسمون الأصنام بالآلهة ، مع أن معنى الإلهية فيها معدوم ، وسموا واحداً منها بالعزى مشتقاً من العز ، والله ما أعطاه عزاً أصلاً ، وسموا آخر منها باللات ، وليس له من الإلهية شيء . وقوله : { ما نزل الله بها من سلطان } عبارة عن خلو مذاهبهم عن الحجة والبينة ، ثم إنه عليه السلام ذكر لهم وعيداً مجددا فقال : { فانتظروا } ما يحصل لكم من عبادة هذه الأصنام { إني معكم من المنتظرين } . ثم إنه تعالى أخبر عن عاقبة هذه الواقعة فقال : { فأنجيناه والذين معه برحمة منا } إذ كانوا مستحقين للرحمة بسبب إيمانهم ، وقطعنا دابر الذين كذبوا بالآيات التي جعلناها معجزة لهود ، والمراد أنه تعالى أنزل عليهم عذاب الاستئصال الذي هو الريح ، وقد بين الله كيفيته في غير هذا الموضع ، وقطع الدابر : هو الاستئصال ، فدل بهذا اللفظ أنه تعالى ما أبقى منهم أحداً ، ودابر الشيء آخره . فإن قيل : لما أخبر عنهم بأنهم كانوا مكذبين بآيات الله لزم القطع بأنهم ما كانوا مؤمنين ، فما الفائدة في قوله بعد ذلك : { وما كانوا مؤمنين } . قلنا : معناه أنهم مكذبون ، وعلم الله منهم أنهم لو بقوا لم يؤمنوا أيضاً ، ولو علم تعالى أنهم سيؤمنون لأبقاهم .