Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-74)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا هو القصة الثالثة ، وهو قصة صالح . أما قوله : { وإلى ثمود } فالمعنى { ولقد أرسلنا نوحاً } [ الأعراف : 59 ] { إلى عاد أخاهم هوداً } [ الأعراف : 65 ] { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } [ هود : 61 ] وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال أبو عمرو بن العلاء : سميت ثموداً لقلة مائها من الثمد ، وهو الماء القليل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام وإلى وادي القرى ، وقيل سميت ثمود لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام . المسألة الثانية : قرىء { وإلى ثمود } يمنع التصرف بتأويل القبيلة { وإلى ثمود } بالصرف بتأويل الحي أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر ، وقد ورد القرآن بهما صريحاً . قال تعالى : { ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود } [ هود : 68 ] . واعلم أنه تعالى حكى عنه أنه أمرهم بعبادة الله ونهاهم عن عبادة غير الله كما ذكره من قبله من الأنبياء . ثم قال : { قد جاءتكم بينة من ربكم } وهذه الزيادة مذكورة في هذه القصة ، وهي تدل على أن كل من كان قبله من الأنبياء كانوا يذكرون الدلائل على صحة التوحيد والنبوة ، لأن التقليد وحده لو كان كافياً لكانت تلك البينة ههنا لغواً ، ثم بين أن تلك البينة هي الناقة فقال : { هذه ناقة الله لكم آية } وفيه مسائل : المسألة الأولى : ذكروا أنه تعالى لما أهلك عاداً قام ثمود مقامهم ، وطال عمرهم وكثر تنعمهم ، ثم عصوا الله ، وعبدوا الأصنام ، فبعث الله إليهم صالحاً وكان منهم ، فطالبوه بالمعجزة . فقال : ما تريدون . فقالوا : تخرج معنا في عيدنا ، ونخرج أصنامنا وتسأل إلهك ونسأل أصنامنا ، فإذا ظهر أثر دعائك اتبعناك ، وإن ظهر أثر دعائنا اتبعتنا ، فخرج معهم فسألوه أن يخرج لهم ناقة كبيرة من صخرة معينة ، فأخذ مواثيقهم أنه إن فعل ذلك آمنوا فقبلوا ، فصلى ركعتين ودعا الله فتمخضت تلك الصخرة كما تتمخض الحامل ، ثم انفرجت وخرجت الناقة من وسطها ، وكانت في غاية الكبر وكان الماء عندهم قليلاً فجعلوا ذلك الماء بالكلية شرباً لها في يوم ، وفي اليوم الثاني شرباً لكل القوم قال السدي : وكانت الناقة في اليوم التي تشرب فيه الماء تمر بين الجبلين فتعلوهما ثم تأتي فتشرب فتحلب ما يكفي الكل ، وكأنها كانت تصب اللبن صباً ، وفي اليوم الذي يشربون الماء فيه لا تأتيهم وكان معها فصيل لها . فقال لهم صالح : يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه ، فذبح تسعة نفر منهم أبناءهم ، ثم ولد العاشر فأبى أن يذبحه أبوه ، فنبت نباتاً سريعاً ، ولما كبر الغلام جلس مع قوم يصيبون من الشراب ، فأرادوا ماء يمزجونه به ، وكان يوم شرب الناقة فما وجدوا الماء ، واشتد ذلك عليهم ، فقال الغلام : هل لكم في أن أعقر هذه الناقة ؟ فشد عليها ، فلما بصرت به شدت عليه ، فهرب منها إلى خلف صخرة فأحاشوها عليه ، فلما مرت به تناولها فعقرها فسقطت . فذلك قوله : { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } وأظهروا حينئذ كفرهم وعتوا من أمر ربهم ، فقال لهم صالح : إن آية العذاب أن تصبحوا غداً حمراً ، واليوم الثاني صفراً ، واليوم الثالث سوداً ، فلما صبحهم العذاب تحنطوا واستعدوا . إذا عرفت هذا فنقول : اختلف العلماء في وجه كون الناقة آية فقال بعضهم : إنها كانت آية بسبب خروجها بكمالها من الصخرة . قال القاضي : هذا إن صح فهو معجز من جهات : أحدها : خروجها من الجبل ، والثانية : كونها لا من ذكر وأنثى ، والثالثة : كمال خلقها من غير تدريج . والقول الثاني : أنها إنما كانت آية لأجل أن لها شرب يوم ، ولجميع ثمود شرب يوم ، واستيفاء ناقة شرب أمة من الأمم عجيب ، وكانت مع ذلك تأتي بما يليق بذلك الماء من الكلأ والحشيش . والقول الثاني : أن وجه الإعجاز فيها أنهم كانوا في يوم شربها يحلبون منها القدر الذي يقوم لهم مقام الماء في يوم شربهم . وقال الحسن : بالعكس من ذلك ، فقال إنها لم تحلب قطرة لبن قط ، وهذا الكلام مناف لما تقدم . والقول الرابع : أن وجه الإعجاز فيها أن يوم مجيئها إلى الماء كان جميع الحيوانات تمتنع من الورود على الماء ، وفي يوم امتناعها كانت الحيوانات تأتي . واعلم أن القرآن قد دل على أن فيها آية ، فأما ذكر أنها كانت آية من أي الوجوه فهو غير مذكور والعلم حاصل بأنها كانت معجزة من وجه ما لا محالة والله أعلم . المسألة الثانية : قوله : { هذه ناقة الله لكم آية } فقوله : { آية } نصب على الحال أي أشير إليها في حال كونها آية ، ولفظة هذه تتضمن معنى الإشارة ، و { آية } في معنى دالة . فلهذا جاز أن تكون حالاً . فإن قيل : تلك الناقة كانت آية لكل أحد ، فلماذا خص أولئك الأقواك بها ؟ فقال : { هذه ناقة الله لكم آية } . قلنا : فيه وجوه : أحدها : أنهم عاينوها وغيرهم أخبروا عنها ، وليس الخبر كالمعاينة . وثانيها : لعله يثبت سائر المعجزات ، إلا أن القوم التمسوا منه هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقتراح ، فأظهرها الله تعالى لهم ، فلهذا المعنى حسن هذا التخصيص . فإن قيل : ما الفائدة في تخصيص تلك الناقة بأنها ناقة الله ؟ قلنا : فيه وجوه : قيل أضافها إلى الله تشريفاً وتخصيصاً كقوله : بيت الله ، وقيل : لأنه خلقها بلا واسطة ، وقيل : لأنها لا مالك لها غير الله . وقيل : لأنها حجة الله على القوم . ثم قال : { فذروها تأكل في أرض الله } أي الأرض أرض الله ، والناقة ناقة الله ، فذروها تأكل في أرض ربها ، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم ، ولا تمسوها بسوء ولا تضربوها ولا تطردوها ولا تقربوا منها شيئاً من أنواع الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " يا علي أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك " " ثم قال تعالى : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } قيل إنه تعالى لما أهلك عاداً عمر ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض وكثروا وعمروا أعماراً طوالاً . ثم قال : { وبوأكم في الأرض } أنزلكم ، والمبوأ : المنزل من الأرض ، أي في أرض الحجر بين الحجاز والشام . ثم قال : { تتخذون من سهولها قصوراً } أي تبوؤن القصور من سهولة الأرض ، فإن القصور إنما تبنى من الطين واللبن والآجر ، وهذه الأشياء إنما تتخذ من سهولة الأرض { وتنحِتون من الجبال بيوتاً } يريد تنحِتون بيوتاً من الجبال تسقفونها . فإن قالوا : علام انتصب بيوتاً ؟ قلنا : على الحال كما يقال : خط هذا الثوب قميصاً وأبر هذه القصبة قلما ، وهي من الحال المقدرة ، لأن الجبل لا يكون بيتاً في حال النحت ، ولا الثوب والقصبة قميصاً ، وقلما في حال الخياطة والبري . وقيل : كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء ، وهذا يدل على أنهم كانوا متنعمين مترفهين . ثم قال : { فاذكروا آلاء الله } يعني قد ذكرت لكم بعض أقسام ما آتاكم الله من النعم ، وذكر الكل طويل فاذكروا أنتم بعقولكم ما فيها { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } قيل المراد منه : النهي عن عقر الناقة ، والأولى أن يحمل على ظاهره وهو المنع عن كل أنواع الفساد .