Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 75-79)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنا ذكرنا أن الملأ عبارة عن القوم الذين تمتلىء القلوب من هيبتهم ، ومعنى الآية قال الملأ وهم الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا ، يريد المساكين الذين آمنوا به ، وقوله : { لمن آمن منهم } بدل من قوله : { للذين استضعفوا } لأنهم المؤمنون . واعلم أنه وصف أولئك الكفار بكونهم مستكبرين ، ووصف أولئك المؤمنين بكونهم مستضعفين ، وكونهم مستكبرين فعل استوجبوا به الذم ، وكون المؤمنين مستضعفين معناه : أن غيرهم يستضعفهم ويستحقرهم ، وهذا ليس فعلاً صادراً عنهم بل عن غيرهم ، فهو لا يكون صفة ذم في حقهم ، بل الذم عائد إلى الذين يستحقرونهم ويستضعفونهم . ثم حكى تعالى أن هؤلاء المستكبرين سألوا المستضعفين عن حال صالح فقال المتضعفون نحن موقنون مصدقون بما جاء به صالح . وقال المستكبرون : بل نحن كافرون بما جاء به صالح ، وهذه الآية من أعظم ما يحتج به في بيان أن الفقر خير من الغنى ، وذلك لأن الاستكبار إنما يتولد من كثرة المال والجاه ، والاستضعاف إنما يحصل من قلتهما ، فبين تعالى أن كثرة المال والجاه حملهم على التمرد ، والإباء ، والإنكار ، والكفر وقلة المال والجاه حملهم على الإيمان ، والتصديق والانقياد ، وذلك يدل على أن الفقر خير من الغنى . ثم قال تعالى : { فعقروا الناقة } قال الأزهري : العقر عند العرب ، كشف عرقوب البعير ، ولما كان العقر سبباً للنحر أطلق العقر على النحر إطلاقاً لاسم السبب على المسبب . واعلم أنه أسند العقر إلى جميعهم ، لأنه كان برضاهم مع أنه ما باشره إلا بعضهم ، وقد يقال للقبيلة العظيمة : أنتم فعلتم كذا مع أنه ما فعله إلا واحد منهم . ثم قال : { وعتوا عن أمر ربهم } يقال : عتا يعتو عتواً ، إذا استكبر . ومنه يقال : جبار عات قال مجاهد : العتو الغلو في الباطل وفي قوله : { عن أمر ربهم } وجهان : الأول : معناه استكبروا عن امتثال أمر ربهم وذلك الأمر هو الذي أوصله الله إليهم على لسان صالح عليه السلام وهو قوله : { فذروها تأكل في أرض الله } [ الأعراف : 73 ] الثاني : أن يكون المعنى وصدر عتوهم عن أمر ربهم ، فكان أمر ربهم بتركها صار سبباً في إقدامهم على ذلك العتو ، كما يقال : الممنوع متبوع { وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين } وإنما قالوا ذلك ، لأنهم كانوا مكذبين له في كل ما أخبر عنه من الوعد والوعيد . ثم قال تعالى : { فأخذتهم الرجفة } قال الفراء والزجاج : هي الزلزلة الشديدة . قال تعالى : { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً } [ المزمل : 14 ] قال الليث : يقال رجف الشيء يرجف رجفاً ورجفانا ، كرجفان البعير تحت الرحل ، وكما يرجف الشجر إذا أرجفته الريح . ثم قال : { فأصبحوا في دارهم جاثمين } يعني في بلدهم ولذلك وحد الدار ، كما يقال : دار الحرب ومررت بدار البزازين ، وجمع في آية أخرى فقال : { في ديارهم } [ هود : 94 ] لأنه أراد بالدار ما لكل واحد منهم من منزله الخاص به . وقوله : { جاثمين } قال أبو عبيدة : الجثوم للناس والطير ، بمنزلة البروك للإبل ، فجثوم الطير هو وقوعه لاطئاً بالأرض في حال سكونه بالليل ، والمعنى : أنهم أصبحوا جاثمين خامدين لا يتحركون موتى ، يقال : الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يحسون بشيء ، ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها ، وهي البهيمة التي تربط لترمى ، فثبت أن الجثوم عبارة عن السكون والخمود ، ثم اختلفوا ، فمنهم من قال : لما سمعوا الصيحة العظيمة تقطعت قلوبهم وماتوا جاثمين على الركب ، وقيل بل سقطوا على وجوههم ، وقيل وصلت الصاعقة إليهم فاحترقوا وصاروا كالرماد . وقيل : بل عند نزول العذاب عليهم سقط بعضهم على بعض ، والكل متقارب . وههنا سؤالات : السؤال الأول : أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا : { يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين } قال تعالى : { فأخذتهم الرجفة } والفاء للتعقيب وهذا يدل على أن الرجفة أخذتهم عقيب ما ذكروا ذلك الكلام وليس الأمر كذلك ، لأنه تعالى قال في آية أخرى : { فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب } [ هود : 65 ] . والجواب : أن الذي يحصل عقيب الشيء بمدة قليلة قد يقال فيه إنه حصل عقيبه فزال السؤال . السؤال الثاني : طعن قوم من الملحدين في هذه الآيات بأن ألفاظ القرآن قد اختلفت في حكاية هذه الواقعة ، وهي الرجفة والطاغية والصيحة ، وزعموا أن ذلك يوجب التناقض . والجواب : قال أبو مسلم : الطاغية اسم لكل ما تجاوز حده سواء كان حيواناً أو غير حيوان وألحق الهاء به للمبالغة ، فالمسلمون يسمون الملك العاتي بالطاغية والطاغوت . وقال تعالى : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] ويقال : طغى طغياناً وهو طاغ وطاغية . وقال تعالى : { كذبت ثمود بطغواها } [ الشمس : 11 ] وقال في غير الحيوان : { إنا لما طغا الماء } [ الحاقة : 11 ] أي غلب وتجاوز عن الحد ، وأما الرجفة ، فهي الزلزلة في الأرض ، وهي حركة خارجة عن المعتاد ، فلم يبعد إطلاق اسم الطاغية عليها ، وأما الصيحة ، فالغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة العظيمة الهائلة وأما الصاعقة ، فالغالب أنها الزلزلة وكذلك الزجرة قال تعالى : { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة } [ النازعات : 13 ، 14 ] فبطل ما قاله الطاعن . السؤال الثالث : أن القوم قد شاهدوا خروج الناقة عن الصخرة وذلك معجزة قاهرة تقرب حال المكلفين عند مشاهدة هذه المعجزة من الإلجاء ، وأيضاً شاهدوا أن الماء الذي كان شرباً لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين ، كان شرباً لتلك الناقة الواحدة في اليوم الثاني ، وذلك أيضاً معجزة قاهرة ، ثم إن القوم لما نحروها ، وكان صالح عليه السلام قد توعدهم بالعذاب الشديد إن نحروها ، فلما شاهدوا بعد إقدامهم على نحرها آثار العذاب ، وهو ما يروى أنهم احمروا في اليوم الأول ، ثم اصفروا في اليوم الثاني ، ثم اسودوا في اليوم الثالث ، فمع مشاهدة تلك المعجزات القاهرة في أول الأمر ، ثم شاهدوا نزول العذاب الشديد في آخر الأمر ، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مصراً على كفره غير تائب منه ؟ والجواب الأول أن يقال : إنهم قبل أن شاهدوا تلك العلامات كانوا يكذبون صالحاً في نزول العذاب ، فلما شاهدوا العلامات خرجوا عند ذلك عن حد التكليف ، وخرجوا عن أن تكون توبتهم مقبولة . ثم قال تعالى : { فتولى عنهم } وفيه قولان : الأول : أنه تولى عنهم بعد أن ماتوا ، والدليل عليه أنه تعالى قال : { فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم } والفاء تدل على التعقيب ، فدل على أنه حصل هذا التولي بعد جثومهم والثاني : أنه عليه السلام تولى عنهم قبل موتهم ، بدليل : أنه خاطب القوم . وقال : { يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } وذلك يدل على كونهم أحياء من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه قال لهم : { يا قوم } والأموات لا يوصفون بالقوم ، لأن اشتقاق لفظ القوم من الاستقلال بالقيام ، وذلك في حق الميت مفقود . والثاني : أن هذه الكلمات خطاب مع أولئك وخطاب الميت لا يجوز . والثالث : أنه قال : { ولكن لا تحبون الناصحين } فيجب أن يكونوا بحيث يصح حصول المحبة فيهم ، ويمكن أن يجاب عنه فنقول : قد يقول الرجل لصاحبه وهو ميت وكان قد نصحه ، فلم يقبل تلك النصيحة حتى ألقى نفسه في الهلاك ، يا أخي منذ كم نصحتك ، فلم تقبل وكم منعتك فلم تمتنع ، فكذا ههنا ، والفائدة في ذكر هذا الكلام إما لأن يسمعه بعض الأحياء فيعتبر به وينزجر عن مثل تلك الطريقة . وإما لأجل أنه احترق قلبه بسبب تلك الواقعة . فإذا ذكر ذلك الكلام فرجت تلك القضية عن قلبه . وقيل : يخف عليه أثر تلك المصيبة ، وذكروا جواباً آخر ، وهو : أن صالحاً عليه السلام خاطبهم بعد كونهم جاثمين ، كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام خاطب قتلى بدر . فقيل : تتكلم مع هؤلاء الجيف فقال : " " ما أنتم بأسمعَ منهم لكنهم لا يقدرون على الجواب " . "