Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 90-93)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى بين عظم ضلالتهم بتكذيب شعيب ثم بين أنهم لم يقتصروا على ذلك ، حتى أضلوا غيرهم ، ولاموهم على متابعته فقالوا : { لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ } واختلفوا فقال بعضهم : خاسرون في الدين وقال آخرون : خاسرون في الدنيا ، لأنه يمنعكم من أخذ الزيادة من أموال الناس ، وعند هذا المقال كمل حالهم في الضلال أولاً وفي الإضلال ثانياً ، فاستحقوا الإهلاك فلهذا قال تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } وهي الزلزلة الشديدة المهلكة ، فإذا انضاف إليها الجزاء الشديد المخوف على ما ذكره الله تعالى من قصة الظلمة ، كان الهلاك أعظم ، لأنه أحاط بهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ } أي في مساكنهم { جَـٰثِمِينَ } أي خامدين ساكنين بلا حياة وقد سبق الاستقصاء في تفسير هذه الألفاظ . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } وفيه بحثان : البحث الأول : في قوله : { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } قولان : أحدهما : يقال غني القوم في دارهم إذا طال مقامهم فيها . والثاني : المنازل التي كان بها أهلوها واحدها مغني . قال الشاعر : @ ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد @@ أراد أقاموا فيها ، وعلى هذا الوجه كان قوله : { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } كأن لم يقيموا بها ولم ينزلوا فيها . والقول الثاني : قال الزجاج : كأن لم يغنوا فيها ، كأن لم يعيشوا فيها مستغنين ، يقال غني الرجل يغنى إذا استغنى ، وهو من الغني الذي هو ضد الفقر . وإذا عرفت هذا فنقول : على التفسيرين شبه الله حال هؤلاء المكذبين بحال من لم يكن قط في تلك الديار . قال الشاعر : @ كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي والجدود العواثر @@ البحث الثاني : قوله : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَواْ فِيهَا } الذين يدل على أن ذلك العذاب كان مختصاً بأولئك المكذبين ، وذلك يدل على أشياء : أحدها : أن ذلك العذاب إنما حدث بتخليق فاعل مختار ، وليس ذلك أثر الكواكب والطبيعة ، وإلا لحصل في أتباع شعيب ، كما حصل في حق الكفار . والثاني : يدل على أن ذلك الفاعل المختار ، عالم بجميع الجزئيات ، حتى يمكنه التمييز بين المطيع والعاصي . وثالثها : يدل على المعجز العظيم في حق شعيب ، لأن العذاب النازل من السماء لما وقع على قوم دون قوم مع كونهم مجتمعين في بلدة واحدة ، كان ذلك من أعظم المعجزات . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ ٱلْخَـٰسِرِينَ } وإنما كرر قوله : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا } لتعظيم المذلة لهم وتفظيع ما يستحقون من الجزاء على جهلهم ، والعرب تكرر مثل هذا في التفخيم والتعظيم ، فيقول الرجل لغيره : أخوك الذي ظلمنا ، أخوك الذي أخذ أموالنا ، أخوك الذي هتك أعراضنا ، وأيضاً أن القوم لما قالوا : { لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ } بين تعالى أن الذين لم يتبعوه وخالفوه هم الخاسرون . ثم قال تعالى : { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } واختلفوا في أنه تولى بعد نزول العذاب بهم أو قبل ذلك ، وقد سبق ذكر هذه المسألة . قال الكلبي : خرج من بين أظهرهم ، ولم يعذب قوم نبي حتى أخرج من بينهم . ثم قال : { فَكَيْفَ ءاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } الأسى شدة الحزن . قال العجاج : @ وانحلبت عيناه من فرط الأسى @@ إذا عرفت هذا فنقول : في الآية قولان : القول الأول : أنه اشتد حزنه على قومه ، لأنهم كانوا كثيرين ، وكان يتوقع منهم الاستجابة للإيمان ، فلما أن نزل بهم ذلك الهلاك العظيم ، حصل في قلبه من جهة الوصلة والقرابة والمجاورة وطول الألفة . ثم عزى نفسه وقال : { فَكَيْفَ ءاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بسبب إصرارهم على الكفر . والقول الثاني : أن المراد لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حل بكم ، فلم تسمعوا قولي ، ولم تقبلوا نصيحتي { فَكَيْفَ ءَاسَىٰ على قَومٍ كَٰفِرين } يعني أنهم ليسوا مستحقين بأن يأسى الإنسان عليهم . قال صاحب « الكشاف » : وقرأ يحيى بن وثاب { فَكَيْفَ إِسىٰ } بكسر الهمزة .