Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن قوله تعالى : { سَأَلَ } فيه قراءتان منهم من قرأه بالهمزة ، ومنهم من قرأه بغير همزة ، أما الأولون وهم الجمهور فهذه القراءة تحتمل وجوهاً من التفسير : الأول : أن النضر بن الحرث لما قال : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] فأنزل الله تعالى هذه الآية ومعنى قوله : { سَأَلَ سَائِلٌ } أي دعا داع بعذاب واقع من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ، ومنه قوله تعالى : { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فَـٰكِهَةٍ ءامِنِينَ } [ الدخان : 55 ] قال ابن الأنباري : وعلى هذا القول تقدير الباء الإسقاط ، وتأويل الآية : سأل سائل عذاباً واقعاً ، فأكد بالباء كقوله تعالى : { وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [ مريم : 25 ] وقال صاحب الكشاف لما كان { سَأَلَ } معناه ههنا دعا لا جرم عدى تعديته كأنه قال دعا داع بعذاب من الله الثاني : قال الحسن وقتادة لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وخوف المشركين بالعذاب قال المشركون : بعضهم لبعض سلوا محمداً لمن هذا العذاب وبمن يقع فأخبره الله عنه بقوله : { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قال ابن الأنباري : والتأويل على هذا القول : سأل سائل عن عذاب والباء بمعنى عن ، كقوله : @ فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب @@ وقال تعالى : { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] وقال صاحب « الكشاف » : { سَأَلَ } على هذا الوجه في تقدير عنى واهتم كأنه قيل : اهتم مهتم بعذاب واقع الثالث : قال بعضهم : هذا السائل هو رسول الله استعجل بعذاب الكافرين ، فبين الله أن هذا العذاب واقع بهم ، فلا دافع له قالوا : والذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر الآية : { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } [ المعارج : 5 ] وهذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره بالصبر الجميل ، أما القراءة الثانية وهي سال بغير همز فلها وجهان : أحدهما : أنه أراد { سَأَلَ } بالهمزة فخفف وقلب قال : @ سألت قريش رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب @@ والوجه الثاني : أن يكون ذلك من السيلان ويؤيده قراءة ابن عباس سال سيل والسيل مصدر في معنى السائل ، كالغور بمعنى الغائر ، والمعنى اندفع عليهم واد بعذاب ، وهذا قول زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد قالا : سال واد من أودية جهنم بعذاب واقع . أما { سَائِلٌ } ، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز فيه غير الهمز لأنه إن كان من سأل المهموز فهو بالهمز ، وإن لم يكن من المهموز كان بالهمز أيضاً نحو قائل وخائف إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين ، وقوله تعالى : { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَـٰفِرِينَ } فيه وجهان ، وذلك لأنا إن فسرنا قوله : { سَأَلَ } بما ذكرنا من أن النضر طلب العذاب ، كان المعنى أنه طلب طالب عذاباً هو واقع لا محالة سواء طلب أو لم يطلب ، وذلك لأن ذلك العذاب نازل للكافرين في الآخرة واقع بهم لا يدفعه عنهم أحد ، وقد وقع بالنضر في الدنيا لأنه قتل يوم بدر ، وهو المراد من قوله : { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } وأما إذا فسرناه بالوجه الثاني وهو أنهم سألوا الرسول عليه السلام ، أن هذا العذاب بمن ينزل فأجاب الله تعالى عنه بأنه واقع للكافرين ، والقول الأول وهو السديد ، وقوله : { مِنَ ٱللَّهِ } فيه وجهان الأول : أن يكون تقدير الآية بعذاب واقع من الله للكافرين الثاني : أن يكون التقدير ليس له دافع من الله ، أي ليس لذلك العذاب الصادر من الله دافع من جهته ، فإنه إذا أوجبت الحكمة وقوعه امتنع أن لا يفعله الله وقوله : { ذِي ٱلْمَعَارِجِ } المعارج جمع معرج وهو المصعد ، ومنه قوله تعالى : { وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } [ الزخرف : 33 ] والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً أحدها : قال ابن عباس في رواية الكلبي : { ذِي ٱلْمَعَارِجِ } ، أي ذي السموات ، وسماها معارج لأن الملائكة يعرجون فيها وثانيها : قال قتادة : ذي الفواضل والنعم وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب ، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة وثالثها : أن المعارج هي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة ، وعندي فيه وجه رابع : وهو أن هذه السموات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر ، فكذا الأرواح الملكية مختلفة في القوة والضعف والكمال والنقص وكثرة المعارف الإلهية وقوتها وشدة القوة على تدبير هذا العالم وضعف تلك القوة ، ولعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لا يصل إلى هذا العالم إلا بواسطة تلك الأرواح ، إما على سبيل العادة أولا كذلك على ما قال : { فَٱلْمُقَسّمَـٰتِ أَمْراً } [ الذاريات : 4 ] ، { فَٱلْمُدَبّرٰتِ أَمْراً } [ النازعات : 5 ] فالمراد بقوله : { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } الإشارة إلى تلك الأرواح . المختلفة التي هي كالمصاعد لارتفاع مراتب الحاجات من هذا العالم إليها وكالمنازل لنزول أثر الرحمة من ذلك العالم إلى ما ههنا .