Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 4-4)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وههنا مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن عادة الله تعالى في القرآن أنه متى ذكر الملائكة في معرض التهويل والتخويف أفرد الروح بعدهم بالذكر ، كما في هذه الآية ، وكما في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } [ النبأ : 38 ] وهذا يقتضي أن الروح أعظم من الملائكة قدراً ، ثم ههنا دقيقة وهي أنه تعالى ذكر عند العروج الملائكة أولاً والروح ثانياً ، كما في هذه الآية ، وذكر عند القيام الروح أولاً والملائكة ثانياً ، كما في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } وهذا يقتضي كون الروح أولاً في درجة النزول وآخراً في درجة الصعود ، وعند هذا قال بعض المكاشفين : إن الروح نور عظيم هو أقرب الأنوار إلى جلال الله ، ومنه تتشعب أرواح سائر الملائكة والبشر في آخر درجات منازل الأرواح ، وبين الطرفين معارج مراتب الأرواح الملكية ومدارج منازل الأنوار القدسية ، ولا يعلم كميتها إلا الله ، وأما ظاهر قول المتكلمين وهو أن الروح هو جبريل عليه السلام فقد قررنا هذه المسألة في تفسير قوله : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } [ النبأ : 38 ] . المسألة الثانية : احتج القائلون بأن الله في مكان ، إما في العرش أو فوقه بهذه الآية من وجهين : الأول : أن الآية دلت على أن الله تعالى موصوف بأنه ذو المعارج وهو إنما يكون كذلك لو كان في جهة فوق والثاني : قوله : { تَعْرُجُ ٱلْمَلَـئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ } فبين أن عروج الملائكة وصعودهم إليه ، وذلك يقتضي كونه تعالى في جهة فوق والجواب : لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة ثبت أنه لا بد من التأويل ، فأما وصف الله بأنه ذو المعارج فقد ذكرنا الوجوه فيه ، وأما حرف إلى في قوله : { تَعْرُجُ ٱلْمَلَـئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ } فليس المراد منه المكان بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله : { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ } [ هود : 123 ] المراد الانتهاء إلى موضع العز والكرامة كقوله : { إِنّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبّى } [ الصافات : 99 ] ويكون هذا إشارة إلى أن دار الثواب أعلى الأمكنة وأرفعها . المسألة الثالثة : الأكثرون على أن قوله : { فِى يَوْمٍ } من صلة قوله { تَعْرُجُ } ، أي يحصل العروج في مثل هذا اليوم ، وقال مقاتل : بل هذا من صلة قوله : { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] وعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير والتقدير : سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وعلى التقدير الأول ، فذلك اليوم ، إما أن يكون في الآخرة أو في الدنيا ، وعلى تقدير أن يكون في الآخرة ، فذلك الطول إما أن يكون واقعاً ، وإما أن يكون مقدراً فهذه هي الوجوه التي تحملها هذه الآية ، ونحن نذكر تفصيلها القول الأول : هو أن معنى الآية أن ذلك العروج يقع في يوم من أيام الآخرة طوله خمسون ألف سنة ، وهو يوم القيامة ، وهذا قول الحسن : قال وليس يعني أن مقدار طوله هذا فقط ، إذ لو كان كذلك لحصلت له غاية ولفنيت الجنة والنار عند تلك الغاية وهذا غير جائز ، بل المراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا . ثم بعد ذلك يستقر أهل النار في دركات النيران نعوذ بالله منها . واعلم أن هذا الطول إنما يكون في حق الكافر ، أما في حق المؤمن فلا ، والدليل عليه الآية والخبر ، أما الآية فقوله تعالى : { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] واتفقوا على أن ذلك المقيل والمستقر هو الجنة وأما الخبر فما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما طول هذا اليوم ؟ فقال : " " والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " " ومن الناس من قال : إن ذلك الموقف وإن طال فهو يكون سبباً لمزيد السرور والراحة لأهل الجنة ، ويكون سبباً لمزيد الحزن والغم لأهل النار الجواب : عنه أن الآخرة دار جزاء فلا بد من أن يعجل للمثابين ثوابهم ، ودار الثواب هي الجنة لا الموقف ، فإذن لا بد من تخصيص طول الموقف بالكفار القول الثاني : هو أن هذه المدة واقعة في الآخرة ، لكن على سبيل التقدير لا على سبيل التحقق ، والمعنى أنه لو اشتغل بذلك القضاء والحكومة أعقل الخلق وأذكاهم لبقي فيه خمسين ألف سنة ثم إنه تعالى يتمم ذلك القضاء والحكومة في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا ، وأيضاً الملائكة يعرجون إلى مواضع لو أراد واحد من أهل الدنيا أن يصعد إليها لبقي في ذلك الصعود خمسين ألف سنة ثم إنهم يصعدون إليها في ساعة قليلة ، وهذا قول وهب وجماعة من المفسرين القول الثالث : وهو قول أبي مسلم : إن هذا اليوم هو يوم الدنيا كلها من أول ما خلق الله إلى آخر الفناء ، فبين تعالى أنه لا بد في يوم الدنيا من عروج الملائكة ونزولهم ، وهذا اليوم مقدر بخمسين ألف سنة ، ثم لا يلزم على هذا أن يصير وقت القيامة معلوماً ، لأنا لا ندري كم مضى وكم بقي القول الرابع : تقدير الآية : سأل سائل بعذاب واقع من الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يحتمل أن يكون المراد منه استطالة ذلك اليوم لشدته على الكفار ، ويحتمل أن يكون المراد تقدير مدته ، وعلى هذا فليس المراد تقدير العذاب بهذا المقدار ، بل المراد التنبيه على طول مدة العذاب ، ويحتمل أيضاً أن العذاب الذي سأله ذلك السائل يكون مقدراً بهذه المدة ، ثم إنه تعالى ينقله إلى نوع آخر من العذاب بعد ذلك ، فإن قيل : روى ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن هذه الآية ، وعن قوله : { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } [ السجدة : 5 ] فقال : أيام سماها الله تعالى هو أعلم بها كيف تكون ، وأكره أن أقول فيها مالا أعلم ، فإن قيل : فما قولكم في التوفيق بين هاتين الآيتين ؟ قلنا : قال وهب في الجواب عن هذا ما بين أسفل العالم إلى أعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة ومن أعلى السماء الدنيا إلى الأرض مسيرة ألف سنة ، لأن عرض كل سماء مسيرة خمسمائة سنة ، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة أخرى ، فقوله تعالى : { فِى يَوْمٍ } يريد من أيام الدنيا وهو مقدار ألف سنة لو صعدوا فيه إلى سماء الدنيا ، ومقدار ألف سنة لو صعدوا إلى أعالي العرش .