Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 22-24)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسائل : المسألة الأولى : { وَمَكَرُواْ } معطوف على { مَن لَّمْ يَزِدْهُ } [ نوح : 21 ] لأن المتبوعين هم الذين مكروا وقالوا للأتباع : { لاَ تَذَرُنَّ } ، وجمع الضمير وهو راجع إلى { مِنْ } ، لأنه في معنى الجمع . المسألة الثانية : قرىء { كُبَّاراً } و { كُبَّاراً } بالتخفيف والتثقيل ، وهو مبالغة في الكبير ، فأول المراتب الكبير ، والأوسط الكبار بالتخفيف ، والنهاية الكبار بالتثقيل ، ونظيره : جميل وجمال وجمال ، وعظيم وعظام وعظام ، وطويل وطوال وطوال . المسألة الثالثة : المكر الكبار هو أنهم قالوا لأتباعهم : { لاَ تَذَرُنَّ وُدّاً } فهم منعوا القوم عن التوحيد ، وأمروهم بالشرك ، ولما كان التوحيد أعظم المراتب ، لا جرم كان المنع منه أعظم الكبائر فلهذا وصفه الله تعالى بأنه كبار ، واستدل بهذا من فضل علم الكلام على سائر العلوم ، فقال : الأمر بالشرك كبار في القبح والخزي ، فالأمر بالتوحيد والإرشاد وجب أن يكون كباراً في الخير والدين . المسألة الرابعة : أنه تعالى إنما سماه مكرًا لوجهين الأول : لما في إضافة الإلهية إليهم من الحيلة الموجبة لاستمرارهم على عبادتها ، كأنهم قالوا : هذه الأصنام آلهة لكم ، وكانت آلهة لآبائكم ، فلو قبلتم قول نوح لاعترفتم على أنفسكم بأنكم كنتم جاهلين ضالين كافرين ، وعلى آبائكم بأنهم كانوا كذلك ، ولما كان اعتراف الإنسان على نفسه ، وعلى جميع أسلافه بالقصور والنقص والجهل شاقاً شديداً ، صارت الإشارة إلى هذه المعاني بلفظ آلهتكم صارفاً لهم عن الدين ، فلأجل اشتمال هذا الكلام على هذه الحيلة الخفية سمى الله كلامهم مكرًا الثاني : أنه تعالى حكى عن أولئك المتبوعين أنهم كان لهم مال وولد ، فلعلهم قالوا لأتباعهم : إن آلهتكم خير من إله نوح ، لأن آلهتكم يعطونكم المال والولد ، وإله نوح لا يعطيه شيئاً لأنه فقير ، فبهذا المكر صرفوهم عن طاعة نوح ، وهذا مثل مكر فرعون إذ قال : { أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ } [ الزخرف : 51 ] وقال : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ } [ الزخرف : 52 ، 53 ] . المسألة الخامسة : ذكر أبو زيد البلخي في كتابه في الرد على عبدة الأصنام أن العلم بأن هذه الخشبة المنحوتة في هذه الساعة ليست خالقة للسموات والأرض ، والنبات والحيوان علم ضروري ، والعلوم الضرورية لا يجوز وقوع الاختلاف فيها بين العقلاء ، وعبادة الأوثان دين كان موجوداً قبل مجيء نوح عليه السلام بدلالة هذه الآية ، وقد استمر ذلك الدين إلى هذا الزمان ، وأكثر سكان أطراف المعمورة على هذا الدين ، فوجب حمل هذا الدين على وجه لا يعرف فساده بضرورة العقل ، وإلا لما بقي هذه المدة المتطاولة في أكثر أطراف العالم ، فإذاً لا بد وأن يكون للذاهبين إلى ذلك المذهب تأويلات أحدها : قال أبو معشر جعفر بن محمد المنجم : هذه المقالة إنما تولدت من مذهب القائلين بأن الله جسم وفي مكان ، وذلك لأنهم قالوا : إن الله نور هو أعظم الأنوار ، والملائكة الذين هم حافون حول العرش الذي هو مكانه ، هم أنوار صغيرة بالنسبة إلى ذلك النور الأعظم ، فالذين اعتقدوا هذا المذهب اتخذوا صنماً هو أعظم الأصنام على صورة إلههم الذي اعتقدوه ، واتخذوا أصناماً متفاوتة ، بالكبر والصغر والشرف والخسة على صورة الملائكة المقربين ، واشتغلوا بعبادة تلك الأصنام على اعتقاد أنهم يعبدون الإله والملائكة ، فدين عبادة الأوثان إنما ظهر من اعتقاد التجسيم الوجه الثاني : وهو أن جماعة الصابئة كانوا يعتقدون أن الإله الأعظم خلق هذه الكواكب الثابتة والسيارة ، وفوض تدبير هذا العالم السفلي إليها ، فالبشر عبيد هذه الكواكب ، والكواكب عبيد الإله الأعظم ، فالبشر يجب عليهم عبادة الكواكب ، ثم إن هذه الكواكب كانت تطلع مرة وتغيب أخرى ، فاتخذوا أصناماً على صورها واشتغلوا بعبادتها ، وغرضهم عبادة الكواكب الوجه الثالث : أن القوم الذين كانوا في قديم الدهر ، كانوا منجمين على مذهب أصحاب الأحكام ، في إضافات سعادات هذا العالم ونحوساتها إلى الكواكب ، فإذا اتفق في الفلك شكل عجيب صالح لطلسم عجيب ، فكانوا يتخذون ذلك الطلسم ، وكان يظهر منه أحوال عجيبة وآثار عظيمة ، وكانوا يعظمون ذلك الطلسم ويكرمونه ويشتغلون بعبادته ، وكانوا يتخذون كل طلسم على شكل موافق لكوكب خاص ولبرج خاص ، فقيل : كان ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر الوجه الرابع : أنه كان يموت أقوام صالحون فكانوا يتخذون تماثيل على صورهم ويشتغلون بتعظيمها ، وغرضهم تعظيم أولئك الأقوام الذين ماتوا حتى يكونوا شافعين لهم عند الله وهو المراد من قولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } [ الزمر : 3 ] الوجه الخامس : أنه ربما مات ملك عظيم ، أو شخص عظيم ، فكانوا يتخذون تمثالاً على صورته وينظرون إليه ، فالذين جاؤا بعد ذلك ظنوا أن آباءهم كانوا يعبدونها فاشتغلوا بعبادتها لتقليد الآباء ، أو لعل هذه الأسماء الخمسة وهي : ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، أسماء خمسة من أولاد آدم ، فلما ماتوا قال إبليس لمن بعدهم : لو صورتم صورهم ، فكنتم تنظرون إليهم ، ففعلوا فلما مات أولئك قال لمن بعدهم : إنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم ، ولهذا السبب نهى الرسول عليه السلام عن زيارة القبور أولاً ، ثم أذن فيها على ما يروى أنه عليه السلام قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة السادس : الذين يقولون إنه تعالى جسم ، وإنه يجوز عليه الانتقال والحلول ، لا يستبعدون أن يحل تعالى في شخص إنسان ، أو في شخص صنم ، فإذا أحسوا من ذلك الصنم المتخذ على وجه الطلسم حالة عجيبة ، خطر ببالهم أن الإله حصل في ذلك الصنم ولذلك فإن جمعاً من قدماء الروافض لما رأوا أن علياً عليه السلام قلع باب خيبر ، وكان ذلك على خلاف المعتاد قالوا : إن الإله حل في بدنه وإنه هو الإله الوجه السابع : لعلهم اتخذوا تلك الأصنام كالمحراب ومقصودهم بالعبادة هو الله ، فهذا جملة ما في هذا الباب ، وبعضها باطلة بدليل العقل ، فإنه لما ثبت أنه تعالى ليس بجسم بطل اتخاذ الصنم على صورة الإله ، وبطل القول أيضاً بالحلول والنزول ، ولما ثبت أنه تعالى هو القادر على كل المقدورات ، بطل القول بالوسايط والطلسمات ، ولما جاء الشرع بالمنع من اتخاذ الصنم ، بطل القول باتخاذها محاريب وشفعاء . المسألة السادسة : هذه الأصنام الخمسة كانت أكبر أصنامهم ، ثم إنها انتقلت عن قوم نوح إلى العرب ، فكان ود لكلب ، وسواع لهمدان ، ويغوث لمذحج ، ويعوق لمراد ، ونسر لحمير ولذلك سمت العرب بعبد ود ، وعبد يغوث ، هكذا قيل في الكتب ، وفيه إشكال لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان ، فكيف بقيت تلك الأصنام ، وكيف انتقلت إلى العرب ، ولا يمكن أن يقال : إن نوحاً عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعياً منه في حفظها . المسألة السابعة : قرىء : { لاَ تَذَرُنَّ وُدّاً } بفتح الواو وبضم الواو ، قال الليث : ود بفتح الواو صنم كان لقوم نوح ، ود بالضم صنم لقريش ، وبه سمي عمرو بن عبد ود ، وأقول : على قول الليث وجب أن لا يجوز ههنا قراءة ود بالضم لأن هذه الآيات في قصة نوح لا في أحوال قريش وقرأ الأعمش : { ولا يغوثا ويعوقا } بالصرف وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو عجميين ففيهما سببا منع الصرف ، إما التعريف ووزن الفعل ، وإما التعريف والعجمة ، فلعله صرفهما لأجل أنه وجد أخواتهما منصرفة ودا وسواعا ونسرا . واعلم أن نوحاً لما حكى عنهم أنهم قالوا لأتباعهم : { لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ } قال : { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً } فيه وجهان : الأول : أولئك الرؤساء قد أضلوا كثيراً قبل هؤلاء الموصين بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام وليس هذا أول مرة اشتغلوا بالإضلال الثاني : يجوز أن يكون الضمير عائداً إلى الأصنام ، كقوله : { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 36 ] وأجرى الأصنام على هذا القول مجرى الآدميين كقوله : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ } [ الأعراف : 195 ] ، وأما قوله تعالى : { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } ففيه سؤالان : الأول : كيف موقع قوله : { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ؟ الجواب : كأن نوحاً عليه السلام لما أطنب في تعديد أفعالهم المنكرة وأقوالهم القبيحة امتلأ قلبه غيظاً وغضباً عليهم فختم كلامه بأن دعا عليهم . السؤال الثاني : إنما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو الله في أن يزيد في ضلالهم ؟ الجواب : من وجهين : الأول : لعله ليس المراد الضلال في أمر الدين ، بل الضلال في أمر دنياهم ، وفي ترويج مكرهم وحيلهم الثاني : الضلال العذاب لقوله : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ } [ القمر : 47 ] .