Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 25-25)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم إنه تعالى لما حكى كلام نوح عليه السلام قال بعده : { مّمَّا خَطَـٰيَـٰهُمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } وفيه مسائل : المسألة الأولى : ما صلة كقوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم } [ النساء : 155 ] { فَبِمَا رَحْمَةٍ } [ النساء : 159 ] والمعنى من خطاياهم أي من أجلها وبسببها ، وقرأ ابن مسعود : { من خطيآتهم ما أغرقوا } فأخر كلمة ما ، وعلى هذه القراءة لا تكون ما صلة زائدة لأن ما مع ما بعده في تقرير المصدر . واعلم أن تقديم قوله : { مّمَّا خَطَـٰيَـٰهُمْ } لبيان أنه لم يكن إغراقهم بالطوفان فإدخالهم النار إلا من أجل خطيآتهم ، فمن قال من المنجمين : إن ذلك إنما كان بسبب أنه انقضى في ذلك الوقت نصف الدور الأعظم ، وما يجري مجرى هذه الكلمات كان مكذباً لصريح هذه الآية فيجب تكفيره . المسألة الثانية : قرىء { خَطِيئَـٰتِهِمْ } بالهمزة وخطياتهم بقلبها ياء وإدغامها و { خَطَـٰيَـٰهُمْ } و { خَطِيئَـٰتِهِمْ } بالتوحيد على إرادة الجنس ، ويجوز أن يراد به الكفر . واعلم أن الخطايا والخطيئآت كلاهما جمع خطيئة ، إلا أن الأول جمع تكسير والثاني جمع سلامة ، وقد تقدم الكلام فيها في [ البقرة : 58 ] عند قوله : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } وفي [ الأعراف : 161 ] عند قوله : { خَطِيئَـٰتِكُمْ } المسألة الثالثة : تمسك أصحابنا في إثبات عذاب القبر بقوله : { أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } وذلك من وجهين الأول : أن الفاء في قوله : { فَأُدْخِلُواْ نَاراً } تدل على أنه حصلت تلك الحالة عقيب الإغراق فلا يمكن حملها على عذاب الآخرة ، وإلا بطلت دلالة هذه الفاء الثاني : أنه قال : { فَٱدْخُلُواْ } على سبيل الإخبار عن الماضي . وهذا إنما يصدق لو وقع ذلك ، قال مقاتل والكلبي : معناه أنهم سيدخلون في الآخرة ناراً ثم عبر عن المستقبل بلفظ الماضي لصحة كونه وصدق الوعد به كقوله : { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 50 ] { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 44 ] واعلم أن الذي قالوه ترك للظاهر من غير دليل . فإن قيل : إنما تركنا هذا الظاهر لدليل ، وهو أن من مات في الماء فإنا نشاهده هناك فكيف يمكن أن يقال : إنهم في تلك الساعة أدخلوا ناراً ؟ والجواب : هذا الإشكال إنما جاء لاعتقاد أن الإنسان هو مجموع هذا الهيكل ، وهذا خطأ لما بينا أن هذا الإنسان هو الذي كان موجوداً من أول عمره ، مع أنه كان صغير الجثة في أول عمره ، ثم إن أجزاءه دائماً في التحلل والذوبان ، ومعلوم أن الباقي غير المتبدل ، فهذا الإنسان عبارة عن ذلك الشيء الذي هو باق من أول عمره إلى الآن ، فلم لا يجوز أن يقال : إنه وإن بقيت هذه الجثة في الماء إلا أن الله تعالى نقل تلك الأجزاء الأصلية الباقية التي كان الإنسان المعين عبارة عنها إلى النار والعذاب . ثم قال تعالى : { فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } وهذا تعريض بأنهم إنما واظبوا على عبادة تلك الأصنام لتكون دافعة للآفات عنهم جالبة للمنافع إليهم ، فلما جاءهم عذاب الله لم ينتفعوا بتلك الأصنام ، وما قدرت تلك الأصنام على دفع عذاب الله عنهم ، وهو كقوله : { أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا } [ الأنبياء : 43 ] واعلم أن هذه الآية حجة على كل من عول على شيء غير الله تعالى .