Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 5-5)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكروا في تفسير الثقيل وجوهاً أحدها : وهو المختار عندي أن المراد من كونه ثقيلاً عظم قدره وجلالة خطره ، وكل شيء نفس وعظم خطره ، فهو ثقل وثقيل وثاقل ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء : { قَوْلاً ثَقِيلاً } يعني كلاماً عظيماً ، ووجه النظم أنه تعالى لما أمره بصلاة الليل فكأنه قال : إنما أمرتك بصلاة الليل لأنا سنلقي عليك قولاً عظيماً ، فلا بد وأن تسعى في صيرورة نفسك مستعدة لذلك القول العظيم ، ولا يحصل ذلك الاستعداد إلا بصلاة الليل ، فإن الإنسان في الليلة الظلماء إذا اشتغل بعبادة الله تعالى وأقبل على ذكره والثناء عليه ، والتضرع بين يديه ، ولم يكن هناك شيء من الشواغل الحسية والعوائق الجسمانية استعدت النفس هنالك لإشراق جلال الله فيها ، وتهيأت للتجرد التام ، والانكشاف الأعظم بحسب الطاقة البشرية ، فلما كان لصلاة الليل أثر في صيرورة النفس مستعدة لهذا المعنى لا جرم قال : إني إنما أمرتك بصلاة الليل لأنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ، فصير نفسك مستعدة لقبول ذلك المعنى ، وتمام هذا المعنى ما قال عليه الصلاة والسلام : " " إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها " " وثانيها : قالوا : المراد بالقول الثقيل القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين عامة ، وعلى رسول الله خاصة ، لأنه يتحملها بنفسه ويبلغها إلى أمته ، وحاصله أن ثقله راجع إلى ثقل العمل به ، فإنه لا معنى للتكليف إلا إلزام ما في فعله كلفة ومشقة وثالثها : روى عن الحسن : أنه ثقيل في الميزان يوم القيامة ، وهو إشارة إلى كثرة منافعه وكثرة الثواب في العمل به ورابعها : المراد أنه عليه الصلاة والسلام كان يثقل عند نزول الوحي إليه ، روي أن الوحي نزل عليه وهو على ناقته فثقل عليها ، حتى وضعت جرانها ، فلم تستطع أن تتحرك ، وعن ابن عباس : كان إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربد وجهه ، وعن عائشة رضي الله عنها : « رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليرفض عرقاً » وخامسها : قال الفراء : { قَوْلاً ثَقِيلاً } أي ليس بالخفيف ولا بالسفساف ، لأنه كلام ربنا تبارك وتعالى وسادسها : قال الزجاج : معناه أنه قول متين في صحته وبيانه ونفعه ، كما تقول : هذا كلام رزين وهذا قول له وزن إذا كنت تستجيده وتعلم أنه وقع موقع الحكمة والبيان وسابعها : قال أبو علي الفارسي : إنه ثقيل على المنافقين ، من حيث إنه يهتك أسرارهم ، ومن حيث إنه يبطل أديانهم وأقوالهم وثامنها : أن الثقيل من شأنه أن يبقى في مكانه ولا يزول ، فجعل الثقيل كناية عن بقاء القرآن على وجه الدهر كما قال : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } [ الحجر : 9 ] ، وتاسعها : أنه ثقيل بمعنى أن العقل الواحد لا يفي بإدراك فوائده ومعانيه بالكلية ، فالمتكلمون غاصوا في بحار معقولاته ، والفقهاء أقبلوا على البحث عن أحكامه ، وكذا أهل اللغة والنحو وأرباب المعاني ، ثم لا يزال كل متأخر يفوز منه فوائد ما وصل إليها المتقدمون ، فعلمنا أن الإنسان الواحد لا يقوى على الاستقلال بحمله ، فصار كالحمل الثقيل الذي يعجز الخلق عن حمله ، وعاشرها : أنه ثقيل لكونه مشتملاً على المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والفرق بين هذه الأقسام مما لا يقدر عليه إلا العلماء الراسخون ، المحيطون بجميع العلوم العقلية والحكمية ، فلما كان كذلك لا جرم كانت الإحاطة به ثقيلة على أكثر الخلق .