Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 4-4)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن تفسير هذه الآية يقع على أربعة أوجه أحدها : أن يترك لفظ الثياب والتطهير على ظاهره والثاني : أن يترك لفظ الثياب على حقيقته ، ويحمل لفظ التطهير على مجازه الثالث : أن يحمل لفظ الثياب على مجازه ، ويترك لفظ التطهير على حقيقته والرابع : أن يحمل اللفظان على المجاز أما الاحتمال الأول : وهو أن يترك لفظ الثياب ، ولفظ التطهير على حقيقته ، فهو أن نقول : المراد منه أنه عليه الصلاة والسلام ، أمر بتطهير ثيابه من الأنجاس والأقذار ، وعلى هذا التقدير يظهر في الآية ثلاثة احتمالات أحدها : قال الشافعي : المقصود منه الإعلام بأن الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس وثانيها : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان المشركون ما كانوا يصونون ثيابهم عن النجاسات ، فأمره الله تعالى بأن يصون ثيابه عن النجاسات وثالثها : روي أنهم ألقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلى شاة ، فشق عليه ورجع إلى بيته حزيناً وتدثر بثيابه ، فقيل : يأيها المدثر قم فأنذر ولا تمنعك تلك السفاهة عن الإنذار وربك فكبر عن أن لا ينتقم منهم وثيابك فطهر عن تلك النجاسات والقاذورات ، الاحتمال الثاني : أن يبقى لفظ الثياب على حقيقته ، ويجعل لفظ التطهير على مجازه ، فهنا قولان : الأول : أن المراد من قوله : { فَطَهّرْ } أي فقصر ، وذلك لأن العرب كانوا يطولون ثيابهم ويجرون أذيالهم فكانت ثيابهم تتنجس ، ولأن تطويل الذيل إنما يفعل للخيلاء والكبر ، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك القول الثاني : { وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ } أي ينبغي أن تكون الثياب التي تلبسها مطهرة عن أن تكون مغصوبة أو محرمة ، بل تكون مكتسبة من وجه حلال ، الاحتمال الثالث : أن يبقى لفظ التطهير على حقيقته ، ويحمل لفظ الثياب على مجازه ، وذلك أن يحمل لفظ الثياب على الحقيقة وذلك لأن العرب ما كانوا يتنظفون وقت الاستنجاء ، فأمر عليه الصلاة والسلام بذلك التنظيف وقد يجعل لفظ الثياب كناية عن النفس . قال عنترة : @ فشككـت بالرمـح الأصـم ثيابـه @@ أي نفسه ولهذا قال : @ ليس الكريـم علـى القنـا بمحـرم @@ الاحتمال الرابع : وهو أن يحمل لفظ الثياب ، ولفظ التطهير على المجاز ، وذكروا على هذا الاحتمال وجوهاً الأول : وهو قول أكثر المفسرين : وقلبك فطهر عن الصفات المذمومة وعن الحسن : { وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ } قال : وخلقك فحسن ، قال القفال : وهذا يحتمل وجوهاً أحدها : أن الكفار لما لقبوه بالساحر شق ذلك عليه جداً ، حتى رجع إلى بيته وتدثر بثيابه ، وكان ذلك إظهار جزع وقلة صبر يقتضيه سوء الخلق ، فقيل له : قم فأنذر ولا تحملنك سفاهتهم على ترك إنذارهم بل حسن خلقك والثاني : أنه زجر عن التخلق بأخلاقهم ، فقيل له : طهر ثيابك أي قلبك عن أخلاقهم ، في الافتراء والتقول والكذب وقطع الرحم والثالث : فطهر نفسك وقلبك عن أن تعزم على الانتقام منهم والإساءة إليهم ، ثم إذا فسرنا الآية بهذا الوجه ، ففي كيفية اتصالها بما قبلها وجهان الأول : أن يقال : إن الله تعالى لما ناداه في أول السورة ، فقال : { يأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ } [ المدثر : 1 ] وكان التدثر لباساً ، والدثار من الثياب ، قيل طهر ثيابك التي أنت متدثر بها عن أن تلبسها على هذا التفكر والجزع والضجر من افتراء المشركين الوجه الثاني : أن يفسر المدثر بكونه متدثراً بالنبوة ، كأنه قيل : يا أيها المتدثر بالنبوة طهر ما تدثرت به عن الجزع وقلة الصبر ، والغضب والحقد ، فإن ذلك لا يليق بهذا الدثار ، ثم أوضح ذلك بقوله : { وَلِرَبّكَ فَٱصْبِرْ } [ المدثر : 7 ] واعلم أن حمل المدثر على المتصف ببعض الصفات جائز ، يقال : فلان طاهر الجيب نقي الذيل ، إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ، ويقال : فلان دنس الثياب إذا كان موصوفاً بالأخلاق الذميمة ، قال الشاعر : @ فلا أب وابناً مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا @@ والسبب في حسن هذه الكناية وجهان الأول : أن الثوب كالشيء الملازم للإنسان ، فلهذا السبب جعلوا الثواب كناية عن الإنسان ، يقال : المجد في ثوبه والعفة في إزاره والثاني : أن الغالب أن من طهر باطنه ، فإنه يطهر ظاهره الوجه الثاني : في تأويل الآية أن قوله : { وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ } أمر له بالاحتراز عن الآثام والأوزار التي كان يقدم عليها قبل النبوة ، وهذا على تأويل من حمل قوله : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [ الشرح : 2 ، 3 ] على أيام الجاهلية الوجه الثاني : في تأويل الآية قال محمد بن عرفة النحوي معناه : نساءك طهرهن ، وقد يكنى عن النساء بالثياب ، قال تعالى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } [ البقرة : 187 ] وهذا التأويل بعيد ، لأن على هذا الوجه لا يحسن اتصال الآية بما قبلها .