Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 22-22)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن في الآية وجهين الأول : قال ابن عباس المعنى أنه يقال لأهل الجنة بعد دخولهم فيها ، ومشاهدتهم لنعيمها : إن هذا كان لكم جزاء قد أعده الله تعالى لكم إلى هذا الوقت ، فهو كله لكم بأعمالكم على قلة أعمالكم ، كما قال حاكياً عن الملائكة : إنهم يقولون لأهل الجنة : { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 24 ] وقال : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] والغرض من ذكر هذا الكلام أن يزداد سرورهم ، فإنه يقال للمعاقب : هذا بعملك الرديء فيزداد غمه وألم قلبه ، ويقال للمثاب : هذا بطاعتك ، فيكون ذلك تهنئة له وزيادة في سروره ، والقائل بهذا التفسير جعل القول مضمراً ، أي ويقال لهم : هذا الكلام الوجه الثاني : أن يكون ذلك إخباراً من الله تعالى لعباده في الدنيا ، فكأنه تعالى شرح جواب أهل الجنة ، أن هذا كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معاشر عبادي ، لكم خلقتها ، ولأجلكم أعددتها ، وبقي في الآية سؤالان : السؤال الأول : إذا كان فعل العبد خلقاً لله ، فكيف يعقل أن يكون فعل الله جزاء على فعل الله ؟ الجواب : الجزء هو الكافي ، وذلك لا ينافي كونه فعلاً لله تعالى . السؤال الثاني : كون سعي العبد مشكوراً لله يقتضي كون الله شاكراً له والجواب : كون الله تعالى شاكراً للعبد محال إلا على وجه المجاز ، وهو من ثلاثة أوجه الأول : قال القاضي : إن الثواب مقابل لعلمهم ، كما أن الشكر مقابل للنعم الثاني : قال القفال : إنه مشهور في كلام الناس ، أن يقولوا : للراضي بالقليل والمثني به إنه شكور ، فيحتمل أن يكون شكر الله لعباده هو رضاه عنهم بالقليل من الطاعات ، وإعطاؤه إياهم عليه ثواباً كثيراً الوجه الثالث : أن منتهى درجة العبد أن يكون راضياً من ربه مرضياً لربه على ما قال : { يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ الفجر : 27 ، 28 ] وكونها راضية من ربه ، أقل درجة من كونها مرضية لربه ، فقوله : { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء } إشارة إلى الأمر الذي به تصير النفس راضية من ربه وقوله : { وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } إشارة إلى كونها مرضية لربه ، ولما كانت هذه الحال أعلى المقامات وآخر الدرجات لا جرم وقع الختم عليها في ذكر مراتب أحوال الأبرار والصديقين .