Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 24-24)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فإما أن يكون المعنى : فاصبر لحكم ربك في تأخير الإذن في القتال ونظيره { فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } [ الأعراف : 87 ] أو يكون المعنى عاماً في جميع التكاليف ، أي فاصبر في كل ما حكم به ربك سواء كان ذلك تكليفاً خاصاً بك من العبادات والطاعات أو متعلقاً بالغير وهو التبليغ وأداء الرسالة ، وتحمل المشاق الناشئة من ذلك ، ثم في الآية سؤالات : السؤال الأول : قوله : { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } دخل فيه أن { لاَ تُطِع آثماً أَوْ كَفوراً } فكأن ذكره بعد هذا تكريراً . الجواب : الأول أمر بالمأمورات ، والثاني نهى عن المنهيات ودلالة أحدهما على الآخر بالالتزام لا بالتصريح فيكون التصريح به مفيداً . السؤال الثاني : أنه عليه السلام ما كان يطيع أحداً منهم ، فما الفائدة في هذا النهي ؟ الجواب : المقصود بيان أن الناس محتاجون إلى مواصلة التنبيه والإرشاد ، لأجل ما تركب فيهم من الشهوات الداعية إلى الفساد ، وأن أحداً لو استغنى عن توفيق الله وإمداده وإرشاده ، لكان أحق الناس به هو الرسول المعصوم ، ومتى ظهر ذلك عرف كل مسلم ، لأنه لا بد له من الرغبة إلى الله والتضرع إليه في أن يصونه عن الشبهات والشهوات . السؤال الثالث : ما الفرق بين الآثم والكفور ؟ الجواب : الآثم هو المقدم على المعاصي أي معصية كانت ، والكفور هو الجاحد للنعمة ، فكل كفور آثم ، أما ليس كل آثم كفوراً ، وإنما قلنا : إن الآثم عام في المعاصي كلها لأنه تعالى قال : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } [ النساء : 48 ] فسمى الشرك إثماً ، وقال : { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبُهُ } [ البقرة : 283 ] وقال { وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } [ الأنعام : 120 ] وقال : { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } [ البقرة : 219 ] فدلت هذه الآيات على أن هذا الإثم شامل لكل المعاصي ، واعلم أن كل من عبد غير الله فقد اجتمع في حقه هذان الوصفان ، لأنه لما عبد غيره ، فقد عصاه وجحد إنعامه ، إذا عرفت هذا فنقول في الآية قولان : الأول : أن المراد شخص معين ، ثم منهم من قال : الآثم ، والكفور هو شخص واحد وهو أبو جهل ، ومنهم من قال : الآثم هو الوليد والكفور هو عتبة ، قال القفال : ويدل عليه أنه تعالى سمى الوليد أثيماً في قوله : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } إلى قوله : { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } [ القلم : 10 - 12 ] وروى صاحب الكشاف أن الآثم هو عتبة . والكفور هو الوليد لأن عتبة كان ركاباً للمآثم متعاطياً لأنواع الفسوق والوليد كان غالياً في الكفر ، والقول الأول أولى لأنه متأيد بالقرآن ، يروى أن عتبة بن ربيعة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوجك ولدي فإني من أجمل قريش ولداً وقال الوليد : أنا أعطيك من المال حتى ترضى ، فإني من أكثرهم مالاً ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات من أول حم السجدة إلى قوله { فَإن أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [ فصلت : 1 - 13 ] فانصرفا عنه وقال أحدهما ظننت أن الكعبة ستقع علي . القول الثاني : أن الآثم والكفور مطلقان غير مختصين بشخص معين ، وهذا هو الأقرب إلى الظاهر ، ثم قال الحسن الآثم هو المنافق والكفور مشركوا العرب ، وهذا ضعيف بل الحق ما ذكرناه من أن الآثم عام والكفور خاص . السؤال الرابع : كانوا كلهم كفرة ، فما معنى القسمة في قوله : { آثماً أَوْ كفوراً } ؟ الجواب : { ٱلْكَفُورَ } أخبث أنواع الآثم ، فخصه بالذكر تنبيهاً على غاية خبثه ونهاية بعده عن الله . السؤال الخامس : كلمة أو تقتضي النهي عن طاعة أحدهما فلم لم يذكر الواو حتى يكون نهياً عن طاعتهما جميعاً ؟ الجواب : ذكروا فيه وجهين : الأول : وهو الذي ذكره الزجاج واختاره أكثر المحققين أنه لو قيل : ولا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما لأن النهي عن طاعة مجموع شخصين لا يقتضي النهي عن طاعة كل واحد منهما وحده ، أما النهي عن طاعة أحدهما فيكون نهياً عن طاعة مجموعهما لأن الواحد داخل في المجموع ، ولقائل أن يقول : هذا ضعيف ، لأن قوله : لا تطع هذا وهذا معناه كن مخالفاً لأحدهما ، ولا يلزم من إيجاب مخالفة أحدهما إيجاب مخالفتهما معاً ، فإنه لا يبعد أن يقول السيد لعبده : إذا أمرك أحد هذين الرجلين فخالفه ، أما إذا توافقا فلا تخالفهما . والثاني : قال الفراء : تقدير الآية لا تطع منهم أحداً سواء كان آثماً أو كفوراً كقول الرجل لمن يسأله شيئاً : لا أعطيك سواء سألت أو سكت . واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا النهي عقبه بالأمر ، فقال :