Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 25-28)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا هو النوع الرابع من تخويف الكفار وذلك لأنه ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الأنفس ، وفي هذه الآية ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الآفاق ، ثم قال في آخر الآية : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } والسبب فيه ما قدمنا أن النعم كلما كانت أكثر كانت الجناية أقبح فكان استحقاق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً أشد ، وإنما قدم تلك الآية على هذه الآية ، لأن النعم التي في الأنفس كالأصل للنعم التي في الآفاق ، فإنه لولا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان الانتفاع بشيء من المخلوق ممكناً . واعلم أنه تعالى ذكر ههنا ثلاثة أشياء أولها : الأرض ، وإنما قدمها لأن أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجية هو الأرض ، ومعنى الكفات في اللغة الضم والجمع يقال : كفت الشيء أي ضممته ، ويقال : جراب كفيت وكفت إذا كان لا يضيع شيئاً مما يجعل فيه ، ويقال للقدر : كفت . قال صاحب الكشاف : هو اسم ما يكفت ، كقولهم الضمام والجماع لما يضم ويجمع ، ويقال : هذا الباب جماع الأبواب ، وتقول : شددت الشيء ثم تسمي الخيط الذي تشد به الشيء شداداً ، وبه انتصب أحياء وأمواتاً كأنه قيل : كافتة أحياء وأمواتاً ، أو بفعل مضمر يدل عليه وهو نكفت ويكون المعنى نكفتكم أحياء وأمواتاً ، فينصبان على الحال من الضمير هذا هو اللغة ، ثم في المعنى وجوه أحدها : أنها تكفت أحياء على ظهرها وأمواتاً في بطنها والمعنى أن الأحياء يسكنون في منازلهم والأموات يدفنون في قبورهم ، ولهذا كانوا يسمون الأرض إما لأنها في ضمها للناس كالأم التي تضم ولدها وتكفله ، ولما كانوا يضمون إليها جعلت كأنها تضمهم وثانيها : أنها كفات الأحياء بمعنى أنها تكفت ما ينفصل الأحياء من الأمور المستقذرة ، فأما أنها تكفت الأحياء حال كونهم على ظهرها فلا وثالثها : أنها كفات الأحياء بمعنى أنها جامعة لما يحتاج الإنسان إليه في حاجاته من مأكل ومشرب ، لأن كل ذلك يخرج من الأرض والأبنية الجامعة للمصالح الدافعة للمضار مبنية منها ورابعها : أن قوله : { أَحْيَاء وَأَمْوٰتاً } معناه راجع إلى الأرض ، والحي ما أنبت والميت مالم ينبت ، بقي في الآية سؤالان : الأول : لم قيل : { أَحْيَاء وَأَمْوٰتاً } على التنكير وهي كفات الأحياء والأموات جميعاً ؟ الجواب : هو من تنكير التفخيم ، كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدون ، وأمواتاً لا يحصرون . السؤال الثاني : هل تدل هذه الآية على وجوب قطع النباش ؟ الجواب : نقل القفال أن ربيعة قال : دلت الآية على أن الأرض كفات الميت فتكون حرزاً له ، والسارق من الحرز يجب عليه القطع . النوع الثاني : من النعم المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَـٰمِخَـٰتٍ } فقوله : { رَوَاسِىَ } أي ثوابت على ظهر الأرض لا تزول و { شَـٰمِخَـٰتٍ } أي عاليات ، وكل عال فهو شامخ ، ويقال : للمتكبر شامخ بأنفه ، ومنافع خلقة الجبال قد تقدمت في هذا الكتاب . النوع الثالث : من النعم قوله تعالى : { وَأَسْقَيْنَـٰكُم مَّاء فُرَاتاً } الفرات هو الغاية في العذوبة ، وقد تقدم تفسيره في قوله : { هَـٰذَا عَذبٌ فُرَاتٌ } [ الفرقان : 53 ]