Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 20-24)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا هو النوع الثالث : من تخويف الكفار ووجه التخويف فيه من وجهين : الأول : أنه تعالى ذكرهم عظيم إنعامه عليهم ، وكلما كانت نعمة الله عليهم أكثر كانت جنايتهم في حقه أقبح وأفحش ، وكلما كان كذلك كان العقاب أعظم ، فلهذا قال عقيب ذكر هذا الإنعام : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } . الوجه الثاني : أنه تعالى ذكرهم كونه قادراً على الابتداء ، وظاهر في العقل أن القادر على الابتداء قادر على الإعادة ، فلما أنكروا هذه الدلالة الظاهرة ، لا جرم قال في حقهم : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } وأما التفسير فهو أن قوله : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ } أي من النطفة ، كقوله : { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مَّاء مَّهِينٍ } [ السجدة : 8 ] { فَجَعَلْنَـٰهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } وهو الرحم ، لأن ما يخلق منه الولد لا بد وأن يثبت في الرحم ويتمكن بخلاف مالا يخلق منه الولد ، ثم قال : { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } والمراد كونه في الرحم إلى وقت الولادة ، وذلك الوقت معلوم لله تعالى لا لغيره كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } إلى قوله : { وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ } [ لقمان : 34 ] { فَقَدَرْنَا } قرأ نافع وعبدالله بن عامر بالتشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف ، أما التشديد فالمعنى إنا قدرنا ذلك تقديراً فنعم المقدرون له نحن ، ويتأكد هذا الوجه بقوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } ولأن إيقاع الخلق على هذا التقدير والتحديد نعمة من المقدر على المخلوق فحسن ذكره في موضع ذكر المنة والنعمة ، ومن طعن في هذه القراءة قال : لو صحت هذه القراءة لوجب أن يقال : فقدرنا فنعم المقدرون وأجيب عنه بأن العرب قد تجمع بين اللغتين ، قال تعالى : { فَمَهّلِ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] وأما القراءة بالتخفيف ففيها وجهان : الأول : أنه من القدرة أي فقدرنا على خلقه وتصويره كيف شئنا وأردنا { فَنِعْمَ ٱلْقَـٰدِرُونَ } حيث خلقناه في أحسن الصور والهيئات والثاني : أنه يقال : قدرت الشيء بالتخفيف على معنى قدرته ، قال : الفراء العرب تقول : قدر عليه الموت ، وقدر عليه الموت ، وقدر عليه رزقه وقدر بالتخفيف والتشديد ، قال تعالى : { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [ الفجر : 16 ] .