Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 28-28)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن للنفس الناطقة الإنسانية قوتين نظرية وعملية ، وكمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به ، ولذلك قال إبراهيم : { رَبّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ } [ الشعراء : 83 ] { هَبْ لِي حُكْماً } [ الشعراء : 83 ] إشارة إلى كمال القوة ، النظرية { وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } إشارة إلى كمال القوة العملية ، فههنا بين الله تعالى رداءة حالهم في الأمرين ، أما في القوة العملية فنبه على فسادها بقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } [ النبأ : 27 ] أي كانوا مقدمين على جميع القبائح والمنكرات ، وغير راغبين في شيء من الطاعات والخيرات . وأما في القوة النظرية فنبه على فسادها بقوله : { وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كِذَّاباً } أي كانوا منكرين بقلوبهم للحق ومصرين على الباطل ، وإذا عرفت ما ذكرناه من التفسير ظهر أنه تعالى بين أنهم كانوا قد بلغوا في الرداءة والفساد إلى حيث يستحيل عقلاً وجود ما هو أزيد منه ، فلما كانت أفعالهم كذلك كان اللائق بها هو العقوبة العظيمة . فثبت بهذا صحة ما قدمه في قوله : { جَزَاءً وِفَـٰقاً } [ النبأ : 26 ] فما أعظم لطائف القرآن مع أن الأدوار العظيمة قد استمرت ، ولم ينتبه لها أحد ، فالحمدلله حمداً يليق بعلو شأنه وبرهانه على ما خص هذا الضعيف بمعرفة هذه الأسرار . واعلم أن قوله تعالى : { وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كِذَّاباً } يدل على أنهم كذبوا بجميع دلائل الله تعالى في التوحيد والنبوة والمعاد والشرائع والقرآن ، وذلك يدل على كمال حال القوة النظرية في الرداءة والفساد والبعد عن سواء السبيل وقوله : { كِذَّاباً } أي تكذيباً وفعال من مصادر التفعيل وأنشد الزجاج : @ لقد طال ماريثتني عن صحابتي وعن حوج قضَّاؤها من شفائنا @@ من قضَّيت قضَّاء قال الفراء هي لغة فصيحة يمانية ونظيره خرَّقت القميص خرَّاقاً ، وقال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني : الحلو أحب إليك أم العِصَّار ؟ وقال صاحب « الكشاف » كنت أفسر آية فقال بعضهم : لقد فسرتها فِسَّاراً ما سمع به ، وقرىء بالتخفيف وفيه وجوه : أحدها : أنه مصدر كَذَّب بدليل قوله : @ فصدقتها أو كذبتها والمرء ينفعه كذابه @@ وهو مثل قوله تعالى : { أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] يعني وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً وثانيها : أن ينصبه بكذبوا لأنه يتضمن معنى كذبوا لأن كل مكذب بالحق كاذب وثالثها : أن يجعل الكذاب بمعنى المكاذبة ، فمعناه وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة . أو كذبوا بها مكاذبين . لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين ، وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة وقرىء أيضاً كذلك وهو جمع كاذب ، أي كذبوا بآياتنا كاذبين ، وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب ، يقال رجل كذاب كقولك حسان وبخال ، فيجعل صفة لمصدر كذبوا أي تكذيباً كذاباً مفرطاً كذبه . واعلم أنه تعالى لما بين أن فساد حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية بلغ إلى أقصى الغايات وأعظم النهايات بين أن تفاصيل تلك الأحوال في كميتها وكيفيتها معلومة له ، وقدر له ما يستحق عليه من العقاب معلوم له ، فقال :